يتسبب التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية، في وقوع مجموعة من الكوارث والظواهر المناخية الحادة، يسميها خبراء الأمم المتحدة "أحداث الطقس المتطرفة"، وتشمل: الحرائق الهائلة، وذوبان الجليد، وموجات الحر، والجفاف، والصقيع، وهطول الأمطار الغزيرة الموزعة بشكل غير متساوي، والفيضانات، وانجراف التربة، والأعاصير المدارية العاتية، وما يلاحظ على هذه الكوارث طبقاً للبيانات المستقاة من الأطلس التفاعلي للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وتقريرها الأخير، أنها تقع في كل مناطق العالم، ولا توجد بقعة مستثناة منها، كما أنها تقع بوتائر متسارعة، فجميع مناطق العالم ستشهد مزيداً من الكوارث المناخية خلال العقود المقبلة مع استمرار زيادة احترار الأرض بالمعدلات الحالية، ويتطلب إدراك حجم ومدى فداحة الكوارث المناخية، تسليط الضوء عليها في المنظور القريب من خلال رصد بعض ما وقع منها خلال العام الجاري، وكذلك رؤيتها من منظور زمني أبعد في الماضي وتقدير الخسائر الناجمة عنها.
ومن الظواهر المناخية الحادة ذوبان الجليد، الذي أوضحت القياسات العلمية أن الجليد البحري في القطب الشمالي فحسب، فقد خلال القرن العشرين 15 في المئة من مساحته و40 في المئة من سماكته؛ ما يجعل من ذوبان الجليد ظاهرة خطيرة ينجم عنها ارتفاع منسوب مياه المحيطات والبحار، الذي تتوقع الدراسات أن يبلغ ارتفاعه إلى نصف متر بحلول نهاية القرن الحالي؛ مما سيؤدي إلى غرق الدول الجزرية، التي حذر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خلال مشاركته في محادثات "كوب 26" من أن "الدول الجزرية أصبحت بمثابة عصافير كناري في منجم فحم التغير المناخي"، كذلك سيؤدي ارتفاع منسوب المياه إلى غرق المناطق الساحلية المشاطئة للمحيطات والبحار، التي يعيشها عليها نصف البشر تقريباً، وقد خلصت دراسة لمنظمة "كلايمت سنترال" الأمريكية نشرتها بالتزامن مع انعقاد مؤتمر "كوب 26" إلى أن "ارتفاع منسوب المياه في المحيطات والبحار سيؤدي إلى غمر ستة مدن حول العالم هي: أمستردام في هولندا، والبصرة في العراق، ونيو أورليانز في أمريكا، والبندقية في إيطاليا، وهو تشي منه في فيتنام، وكالكوتا في الهند".
حرائق الغابات
وتشكل كوارث الاحتباس الحراري، التي حدثت خلال أشهر العالم الحالي صورة مرعبة لما سيكون عليه المستقبل القريب والبعيد للبشر في العالم، في حال لم تغير دول العالم من سلوكها الممعن في تدهور البيئة، فابتداء من يناير حتى سبتمبر اشتعلت آلاف الحرائق الضخمة في غابات ولايات غرب أمريكا منها ولاية أوريجون، التي شهدت في يوليو أكبر حريق غابات نشط في البلاد، التهم أكثر من 300 ألف فدان، وتسبب في إجلاء الآلاف من السكان، وكذلك ولاية كاليفورنيا التي اندلع في غاباتها أكثر من 7400 حريق، بينها "حريق ديكسي"، أكبر الحرائق في تاريخ كاليفورنيا، الذي التهم متنزه "لاسين" البركاني الوطني، ودمر مدينة جرينفيل التاريخية، وقد أدت حرائق كاليفورنيا مجتمعة إلى احتراق أكثر من 2.2 مليون فدان، وفي أوائل فبراير، دمرت حرائق غابات خرجت عن السيطرة في بيرث رابع مدن أستراليا 86 منزلاً، مما اضطر الآلاف من السكان إلى الفرار من وجه النيران، التي أتت على مساحات شاسعة من الأراضي في مرتفعات بيرث.
وفي شهر يوليو اجتاح أكثر من 1140 حريقاً الغابات في 22 ولاية تركية في وقت متزامن؛ مما دمر آلاف الأفدنة من الغابات والمناطق الزراعية والمنتجعات السياحية، وخلال الأسبوع الثالث من استمرار الحرائق هطلت أمطار غزيرة على ولاية بارتين شمال تركيا، فتسببت في حدوث فيضانات مدمرة، وخلال شهري يوليو وأغسطس اندلعت سلسلة حرائق ضخمة في بلدان جنوب قارة أوروبا: اليونان (580 حريقاً)، وإيطاليا (800 حريق)، وفرنسا، وإسبانيا، والبرتغال، والتهمت عشرات آلاف الأفدنة من الغابات وحقول الزيتون والمحاصيل، وأخلت عشرات القرى والمدن والمنتجعات السياحية، كما ضربت الجزائر موجتين من الحرائق الأولى في يوليو وحرقت آلاف الأفدنة ومزارع الزيتون شرق البلاد، وخلفت 69 قتيلاً، والثانية في أغسطس وبلغ عدد الحرائق أكثر من 100 امتدت في غابات 18 ولاية، ومما يلاحظ بالنسبة لحرائق الغابات، أن خطورتها تتضاعف في الإضرار بالمناخ، فبدلاً من أن تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، فتقلل الانبعاثات وتخفض درجة حرارة الأرض، تصبح مصدراً ضخماً لإفراز ثاني أكسيد الكربون، وتشير البيانات الإحصائية في هذا الصدد إلى أن غابات الأمازون في البرازيل، التي توصف بأنها رئة العالم، أطلقت بسبب الحرائق نحو 20 في المئة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أكثر مما امتصته على مدى العقد الماضي.
الأمطار والفيضانات
ولم تقتصر ظواهر الاختلال المناخي على الحرائق، إذ هطلت أمطار غزيرة على مناطق متفرقة من روسيا منها منتجع سوتيشي الشهير خلال شهر يوليو، وتسببت في فيضانات عارمة جرفت منازل، وأخرجت نهري بلبك وماتسيستا عن مجراهما، وتسببت في مقتل وفقدان أشخاص، وخلال شهر يوليو أيضاً انهمرت أمطار متزامنة غير مسبوقة، على ألمانيا، وبلجيكا، وسويسرا، ولوكسمبورغ، وهولندا، نجم عنها فيضانات عنيفة قتلت 150 شخصاً 93 منهم في ألمانيا، التي أطلقت عليها "فيضانات الموت"، وطيلة شهري يوليو وأغسطس حطم حجم الأمطار، التي هطلت على مقاطعة خنان الصينية الرقم القياسي لأكبر هطول للأمطار في يوم واحد جرى تسجيله على الإطلاق، وبلغ منسوب المياه خلال ثلاثة أيام ما يوازي معدل تساقطها خلال سنة، بحسب ما أعلنت السلطات الصينة، التي أفادت بأن الفيضانات قتلت 302 شخص، وجرفت قطار أنفاق، وأجلت مليون صيني عن منازلهم، وبلغت الأضرار المادية نحو سبعة مليارات يورو.
وفي مايو ضرب إعصار "تاوكتاي" العنيف مناطق غربي الهند وسواحل ولاية غوجارات؛ مما أدى إلى قطع الكهرباء وسقوط 21 قتيلاً وعشرات المفقودين، وفي أواخر سبتمبر عاث الإعصار "جولاب" تدميراً في شرق الهند؛ فتسبب في إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص في ولايتي أوديشا وأندرا براديش الساحليتين، وفي شهر أغسطس اجتاح الإعصار "إيدا" ولاية لويزيانا الأمريكية مخلفاً دماراً واسعاً، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن على أثره عن وقوع كارثة كبرى في الولاية، وأمر بتقديم مساعدات اتحادية لدعم جهود مواجهة الإعصار، ولم يكد يمر شهر على الكارثة حتى ضرب الإعصار "نيكولاس" المحمل برياح عاتية وأمطار غزيرة ولاية تكساس، بينما اجتاح الإعصار "شاهين" المناطق الساحلية من سلطنة عمان أوائل أكتوبر، وتسبب في فيضانات واسعة النطاق؛ نجم عنها مقتل سبعة أشخاص وإجلاء الآلاف، وكما يلاحظ فقد وقعت معظم الكوارث المناخية السابقة في شهر يوليو؛ ويعود السبب إلى الارتفاع الحاد لدرجة الحرارة فيه، إذ بينت الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي، أن "شهر يوليو كان الأكثر حرارة في التاريخ منذ بدء نظام تسجيل درجات الحرارة في العالم".
الخسائر التراكمية
أما عن سجل الكوارث المناخية خلال العقود الماضية وخسائرها التراكمية، فقد أفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تقريرها الصادر في أغسطس الماضي بأن "هناك كارثة تتعلق بأخطار الطقس أو المناخ أو المياه حدثت يومياً في المتوسط على مدى السنوات الخمسين الماضية، وأن عدد الكوارث المناخية مثل، الفيضانات وموجات الحر، الناتجة عن تغير المناخ زادت خمسة أمثالها على مدى الخمسين عاماً الماضية، وأودت بحياة أكثر من مليوني شخص، وتسببت في خسائر بلغت 3.64 تريليون دولار"، وبيّنت المنظمة أن تقريرها "شمل فحص نحو 11 ألف كارثة وقعت بين 1979 و2019 بينها كوارث كبيرة مثل الجفاف الذي اجتاح إثيوبيا في 1983، والذي شهد أعلى نسبة وفيات ناتجة عن كارثة طبيعية، إذ أودى بحياة 300 ألف شخص".
ولفتت المنظمة إلى اتجاه مهم للغاية يفيد بأن "عدد الكوارث أصبح يزيد بنحو خمسة أضعاف عما كان عليه في السبعينيات من القرن الماضي، مما يزيد المؤشرات على أن ظواهر الطقس المتطرف باتت أكثر حدوثاً بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض"، ويستنتج من مؤشرات هذه البيانات أن المستقبل القريب للبشرية وكوكب الأرض على السواء سيكون قاتماً، فيما يُتوقع أيضاً أن يكون مستقبلهما البعيد أشد قتامة؛ إذا لم تشرع دول العالم على الفور في خفض الانبعاثات، بما يوقف ارتفاع درجة الحرارة، ويوقف تفاقم التغير المناخي إلى مدى أبعد مما وصل إليه حالياً.
العدالة الغائبة
وليس هناك من سبيل أمام دول العالم لوقف ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ إلا بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، مع الأخذ في الاعتبار العوامل، التي تضاعف من تأثير كل غاز منها في احترار الأرض، إذ يتفاوت تأثير الغازات الدفيئة في الإسهام في ظاهرة الاحتباس الحراري، ويعتمد تأثير كل منها على ثلاثة عوامل هي: قابلية امتصاص الغاز للأشعة تحت الحمراء، ومدة بقائه في الغلاف الجوي، ونسبة تركزه في الغلاف الجوي والإسهام البشري في إنتاجه، ويُعد ثاني أكسيد الكربون أخطر الغازات الدفيئة على الإطلاق في تكوين ظاهرة الاحتباس الحراري؛ لأنه يسهم بنسبة 40 في المئة في إنتاجها، ورغم أنه لا يشكل سوى 0.038 في المئة من مكونات الغلاف الجوي إلا أن تركيزه ارتفع بنسبة 30 في المئة منذ بداية الثورة الصناعية، وتكمن خطورته في أن جزئية ثاني أكسيد الكربون تبقى في الغلاف الجوي نحو 200 سنة، ويترتب على ذلك تضاعف تأثيره في احترار الغلاف الجوي ورفع درجة حرارته، وقد بلغ متوسط تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستوى قياسي غير مسبوق في آخر 800 ألف سنة من عمر كوكب الأرض، وتجاوز 410 أجزاء من المليون، وفقاً لنشرة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الصادرة في نوفمبر 2020.
ويسهم غاز الميثان بنحو 2 في المئة في ظاهرة الاحتباس الحراري، كما أن مدة بقائه في الغلاف الجوي لا تزيد عن عشرة سنوات، لكن خطورته تكمن في قدرته على امتصاص الأشعة تحت الحمراء، التي تفوق ثاني أكسيد الكربون بنحو 50 مرة، ويوجد تفاوت حاد بين دول العالم في المسؤولية عن إنتاج انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فهناك 10 في المئة من الدول مسؤولة عن إفراز 80 في المئة من إجمالي الانبعاثات، وتتصدر الصين منذ 2007 قائمة الدول الأعلى في إفراز الانبعاثات الكربونية، فبحسب تقرير "مشروع الكربون العالمي" لعام 2020، أنتجت الصين 11 ملياراً و535 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في 2019، تشكل 30.34 في المئة من إجمالي الانبعاثات الكربونية عالمياً، تليها أمريكا بـ 5 مليارات و243 طناً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تشكل 13.43 في المئة من الإجمالي العالمي للانبعاثات الكربونية، في حين تأتي الدنمارك في المركز 78 بإنتاج 31 مليون طن من انبعاثات غاز ثاني أكيد الكربون، تشكل 0.8 في المئة من إجمالي الانبعاثات الكربونية عالمياً.
ومن منظور العدالة المناخية، يستدعي التفاوت الحاد بين الدول في المسؤولية عن إطلاق الانبعاثات الكربونية في الغلاف الجوي، أن تتحمل كل دولة أعباء في معالجة ظاهرة التغير المناخي، تتساوى مع إسهامها في مفاقمة احترار الأرض، وأن تتوزع هذه الأعباء على مسارين: الأول، إنهاء كل دولة مصادر الانبعاثات الكربونية لديها، والوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050، بحسب ما تدعو الأمم المتحدة من خلال اقلال الاعتماد على الوقود الأحفوري في الصناعة، وإحلال مصادر الطاقة المتجددة بدلاً منه، والثاني، الإسهام في التكلفة المالية، التي تتطلبها معالجة التغير المناخي في البلدان المتضررة من ظواهره، بما يتوازى مع مقدار إسهام كل دولة في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، على اعتبار أن التدخل البشري المنظم هو العامل الحاسم في معالجة التغير المناخي، وتشكل العدالة المناخية إحدى التحديات الأساسية في معالجة التغير المناخي، فغيابها عامل رئيسي في عدم إحراز تقدم مؤثر في المعالجة، ويتجلى هذا الغياب في عدم وفاء الدول المسؤولة عن إنتاج النسبة الأكبر من الانبعاثات بالتزاماتها المالية، فقد تعهدت تلك الدول في عام 2009، بتوفير 100 مليار دولار أمريكي سنوياً لتمويل مكافحة تغير المناخ لصالح البلدان النامية حتى عام 2020، لكنها لم تلتزم بتعهدها إلى اليوم، وظل التمويل مسألة خلافية لم تحل خلال مؤتمر "كوب 26".