حققت المرأة السعودية نجاحًا باهرًا في العديد من المجالات الحياتية التنموية، حيث رأست مراكز قياديّة عن طريق توظيف خبراتها وإبداعاتها؛ وسطرت قصص نجاح ملهمة تواكب رؤية المملكة 2030، ومعطيات العصر والتنمية البشرية.
ولتعزيز النمو الاقتصادي للمملكة؛ فتح قطاع "الضيافة والفندقة"، التابع للجانب السياحي، المزيد من أبواب العمل للمرأة لتبدأ رحلة نجاح جديدة وتجربة رائدة وفريدة، حيث استطاع عدد من الفتيات إبراز أسمائهن، وتسطير قصص لافتة في القطاع رغم حداثته في سوق العمل، واضعات بصماتهن الإبداعية، ومثبتات جدارتهن مع المحافظة على أسس الشريعة الإسلامية وإبراز الإرث الحضاري للمجتمع.
وشهدت مدينة الرياض مؤخرًا نهضة حضارية تنموية وتحولًا اقتصاديًا سريعًا ولافتًا؛ أسهمت في تعزيز مكانتها عالميًا من خلال ما تميزت به من مشاريع استثمارية ضخمة وبرامج وفعاليات ترفيهية، مما عزز نمو القطاع السياحي وجعل الرياض وجهة سياحية جاذبة للأسر لقضاء أوقات إجازاتهم، وفي ظل التطورات المتسارعة انتهزت المرأة الفرصة للدخول في مجال "الضيافة والفندقة" بعد أن أتاحته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للعمل، إذ إنه يتناسب مع شخصيتها خاصةً في مجال التنسيق وتنظيم المناسبات، والاستقبال، والعلاقات العامة والتسويق والتي تتطلب مواهب ناعمة، متسلّحة بالخبرة العلميّة والمهنيّة والتدريب والعزيمة؛ من أجل تقديم الخدمات في الفنادق والمستشفيات والطائرات والسفن.
ويعمل في مجال "الضيافة والفندقة"، بحسب ما ذكرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية/ نحو 3000 امرأة في الرياض وأكثر من 10 آلاف منهن في مختلف مناطق المملكة، ويعد هذا المجال من المجالات الواعدة للمرأة ومكملًا لعملية التوطين في كافة قطاعات الدولة.
وسيشهد القطاع الفندقي نقلة نوعية مستقبلًا، حيث نصّت أهداف الرؤية على الاستثمار في المجال السياحي، لذا قدمت الوزارة العديد من التسهيلات والمبادرات للعاملات منها: مبادرة "قرّة" لتوفير مراكز ضيافة للأطفال، ومبادرة "وصول" لنقل المرأة العاملة بالتعاون مع تطبيقات النقل، ومبادرة "دعم" من خلال الدعم المالي لرواتب الموظفين السعوديين العاملين في القطاع من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) يصل إلى 50% من الراتب، بالإضافة إلى تقديم برامج التدريب الأساسية والبرامج التدريبية التخصصية والتدريب التطويري.
وعلى صعيد التهيئة العلميّة، تم افتتاح الأقسام المتعلقة بالقطاع في الجامعات والمعاهد ومراكز التدريب، حيث استحدثت الكلية التطبيقية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، كما أوضحت عميدة الكلية بالجامعة الدكتورة نورة عبدالرحمن المطرفي مجموعة من البرامج التعليمية المجانية التي تواكب سوق العمل وتحقق متطلباته لدعم القطاع السياحي بالمملكة منها برنامج دبلوم (إدارة الضيافة والفندقة)؛ لكون السياحة صناعة تتطلب قدرات ومستوى معينًا من المهارات، لذلك تدرس الطالبة عامين دراسيين باللغة الإنجليزية، وتُدرب بمجال الضيافة والفندقة بقطاعاته المختلفة، وتخرّج حتى الآن ما يقارب 49 خريجة.
ويهدف البرنامج إلى تزويد سوق العمل بخريجات متميزات من حيث التأهيل العلمي والمعرفي والمهني، وبناء قدرات الخريجات على التعامل مع مختلف المتغيرات والتطورات والمواقف في مجال الضيافة والفندقة، وبناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات الحكومية والخاصة لتطوير التدريب الميداني، واقتراح أنشطة ومبادرات تسهم في خدمة وتنمية المجتمع، ووضع التعليم الفندقي على مستوى العالمية والتميز لرفع جودة السياحة الوطنية.
وتعد رؤية المملكة أحد الأسباب المهمة لنجاح المرأة، كما بينت مديرة المعهد العالي للسياحة والضيافة وتنفيذي علاقات استراتيجية هالة سلطان البراك، حيث إنها تركز على تمكين المرأة في مختلف المجالات، وعلى تطوير السياحة في المملكة؛ مما يتطلب قيام الجامعات والمعاهد بتلبية الاحتياجات والتوقعات المختلفة لسوق العمل، ومواكبةً لذلك افتتح في عام 2019م بالرياض وجازان والباحة، أول معهد تدريب سياحي وفندقي في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وهو معتمد لدى الهيئات والمؤسسات المحلية والدولية وبالشراكة مع جامعة HTMI السويسرية وحاصل على شهادة تصنيف الجودة "TedQual" من الأمم المتحدة، ويهدف إلى تزويد القطاع السياحي بشكل عام في المملكة بكوادر سعودية مؤهلة للعمل.
ويحرص المعهد على تقديم مناهج تعليمية بتقنيات حديثة ويتيح للخريجين بعد درجة الدبلوم التجسير لمتابعة الدراسة في الخارج للحصول على درجة البكالوريوس ويقدم منحًا للمتفوقين، ودورات تدريبية منتهية بالتوظيف استفاد منها أكثر من 10 آلاف شاب وشابة، كما يتميز بالشراكات الاستراتيجية مع عدة معاهد إقليمية وعالمية دورية، وقد حصل على أكثر من 10 جوائز محلية وعالمية.
وانسجامًا مع هذه المخرجات تفاعلت بعض الفنادق في توظيف الكفاءات الشابة في الشؤون الإدارية والإشرافية، حيث أكدت مجموعة من الفتيات أن السماح بالتوظيف في هذا المجال أتاح فرصًا مميزة، خاصةً لحديثات التخرج، مما ساعد على ترسيخ الثقافة المهنية؛ وتوسيع معارفهن ومؤهلاتهن اللازمة من خلال صقل مهاراتهن.
من جهتها، قالت ديما عبدالرحمن الدليقان التي تشغل مديرة إدارة الموارد البشرية في أحد الفنادق: الضيافة والكرم من العادات والتقاليد الدينية والعربية المعروفة.
وعبّرت عن فخرها بما جرى إنجازه؛ لكونها سعودية ومختصة بهذا المجال، ومشيدة بالدعم الذي يحظى به القطاع بشكل عام، الذي أسهم في نجاح الفتيات بالعمل كما هو مشاهد على أرض الواقع، وهذا يبشر بمستقبل مشرق.
وأضافت: الفندق وظّف أكثر من 500 فتاة ذات كفاءة، من خريجات جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن والمعهد العالي للسياحة والضيافة، وهذا الإقبال جاء من إطلاق ولي العهد روح الحماس وخلق الطاقة داخل الشباب، حيث زرع سموه فيهم الثقة بأنهم قادرون على أن تكون المملكة بالصف الأول على مستوى عالمي، فغير الثقافة ونوّع القطاعات العملية ودعمها.
كما قالت مديرة قسم الحفلات في إحدى الفنادق لجين أحمد العمري الحاصلة على ماجستير سياحة دولية: إن القطاع الفندقي جديد في سوق العمل بالنسبة للمرأة وهو ليس سهلًا كما يعتقد البعض، فأي قطاع خدمي النجاح فيه صعب ويمر بعقبات؛ لكونه متعلقًا برضا العميل وليس سلعة ممكن استخدامها فترة وتغييرها وخسارته لا تعوض.
وأضافت: القطاع الخدمي يفرض أن تكون متأهبًا دائمًا لذا يحتاج إلى مهارات محددة من أهمها التركيز وإجادة اللغة الإنجليزية بطلاقة والتمتع باللياقة واللباقة في الحديث وحب العمل بروح الفريق، كما أن قسم الحفلات يحتاج إلى مواكبة عالم الموضة والديكور، والقطاع الخدمي اليوم موجود بمختلف المستويات وكلها تندرج تحت بند التحديات الممتعة.
واتفقت مع هذا الطرح نور سالم المزيّن وابتسام الحربي اللتان تعملان بأحد الفنادق، حيث اعتبرتا أن الرياض أصبحت مدينة مال وأعمال ووجهة سياحية جاذبة، وأن العمل في القطاع الفندقي يعد غاية في الأهمية بالنسبة للمواطن، وذلك لأنه قادر على تقديم حضارته وعاداته أمام الزائرين من مختلف أنحاء العالم.
وأشادتا بالثقة التي جرى منحها لهما ولزميلاتهما من قبل مسؤولي الفنادق، ما دفعهن إلى التدرج في العمل والمهمات والتفوق، أثمر عن نجاحات غير مستغربة حققتها الفتيات في مجال السياحة والفندقة، إذ استطعن العمل بأداء ممتاز بفضل ثقتهن في أنفسهن ومؤهلاتهن العالية وحسن تعاملهن مع متطلبات المهنة، نتج عنه تقلدهن مناصب قيادية في مختلف أقسام الفندقة وهو نجاح يتواءم مع أهداف الرؤية.