
وفقًا لآخر تحليل أنجزته شركة الاستشارات العقارية العالمية Knight Frank؛ فقد رفع الطلب غير المسبوق على المساحات المكتبية الممتازة مستويات إشغال مكاتب الدرجة الأولى في الرياض إلى 98%.
وقال فيصل دوراني الشريك ورئيس أبحاث الشرق الأوسط: "في الوقت الذي تتكشف فيه خطة التحول الاقتصادي في المملكة، يرتفع النشاط التجاري بوتيرة غير عادية. وقد التزمت 70 شركة حاليًا بنقل مقراتها الرئيسية إلى الرياض؛ بما في ذلك مجموعة Aldeham Education Group (AEG)، وشركة Alstom الفرنسية المصنعة لعربات السكك الحديدية.
وتابع: "لقد ارتفع عدد تراخيص الاستثمارات الأجنبية الصادرة أثناء الربع الثاني من العام بنسبة 700% تقريبًا مقارنة بالعام الماضي، بقيادة شركات البيع بالتجزئة والبناء والتصنيع والفنادق والأطعمة والمشروبات وخدمات الأعمال، وجميعها تساهم في المستوى القياسي الذي نسجله للطلب على المكاتب.
من ناحية أخرى، بلغت مستويات الاستثمارات الأجنبية المباشرة 3.5 مليارات ريال سعودي أثناء الربع الثاني من العام نتيجة إبرام 49 صفقة؛ بينما لم يتجاوز هذا الرقم 37 صفقة في الربع الأول من العام، وهذا وفّر 2.000 فرصة عمل جديدة ستشكل حتمًا ضغطًا على سوق المكاتب، يتجلى في الحاجة إلى مساحة جديدة".
وأضاف "أندري لوف" رئيس استراتيجيات وحلول الإيجارات والملكيات ورئيس أسواق رأس المال في الشرق الأوسط: "ليس من المستغرب استمرار معدلات إيجار المكاتب في الارتفاع نتيجة للطلب المتزايد".
وأضاف: في الواقع، ارتفع متوسط معدلات إيجار المساحات المكتبية الممتازة بنسبة 18% خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، ليصل إلى قرابة 1.775 ريالًا سعوديًّا للمتر المربع.
وبلغت مستويات الإشغال 98%، وهذا يعني زيادة 4 نقاط مئوية مقارنة بهذا الوقت من العام الماضي؛ مما يؤكد عمق الطلب.
ويوضح المستوى المرتفع من الطلبات أن أصحاب العقارات يمسكون بزمام الأمور بثبات".
وتابع "دوراني": "كما تشهد الإيجارات من الدرجة الثانية بدورها موجة من الزيادة، نظرًا لتزاحم شاغلي العقارات من أجل الفوز بمساحة في العاصمة السعودية. ومع وجود خيارات محدودة في فئة الدرجة الأولى، يتجه الكثيرون إلى سوق الدرجة الثانية؛ بينما يستكشف آخرون خيارات البناء التي تناسبهم. وقد ارتفع متوسط الإيجارات من الدرجة الثانية بنسبة 10% في العام الماضي. ونتيجة للمستويات العالية للطلب على المواقع التجارية الرئيسية مثل طريق الملك فهد وشارع العليا؛ ارتفعت الإيجارات من الدرجة الثانية هنا بنسبة 6%، في حين بلغت مستويات الإشغال من الدرجة الثانية على نطاق المدينة حاليًا 75%، مسجلة أعلى مستوى في خمس سنوات على الأقل".
وحسب ما تذكره شركة Knight Frank، يشهد سوق المكاتب في جدة أيضًا انتعاشًا في الطلبات على غرار ما يحدث في الرياض؛ نتيجة تعزيز الشركات متعددة الجنسيات والمحلية لوجودها في ثاني أكبر مدينة في المملكة العربية السعودية. وكما هو الحال في أماكن أخرى من العالم، ينصبّ التركيز على مكاتب الدرجة الأولى الأفضل في فئتها؛ لكن نقص العرض وارتفاع التكاليف يدفع أيضًا العديد من الشركات إلى البحث عن مساحات من الدرجة الثانية.
وتبلغ إيجارات المكاتب من الدرجة الأولى حوالى 1.065 ريالًا سعوديًّا للمتر المربع؛ مما يعكس ارتفاعًا بنسبة 6.5% مقارنة بهذا الوقت في العام الماضي؛ بينما ارتفعت الإيجارات من الدرجة الثانية بنسبة 8.5% خلال نفس الفترة. ولا تزال مستويات العقارات الشاغرة مستمرة في الانخفاض؛ حيث بلغت 8% في مكاتب الدرجة الأولى و20% في مباني الدرجة الثانية.
وأثّرت المعنويات الاقتصادية الإيجابية على طلبات المكاتب في المنطقة الشرقية، وأدت الطلبات المتزايدة على المكاتب في منطقة الدمام الحضرية إلى ارتفاع معدلات إيجار مساحات الدرجة الأولى بنسبة 5% خلال الأشهر الإثني عشر الماضية لتصل إلى 950 ريالًا سعوديًّا للمتر المربع.
وفي ظل تركيز الطلب على المساحات الأفضل في فئتها؛ ارتفعت مستويات الإشغال من الدرجة الأولى إلى 77% مقارنة بنسبة 73% في الخريف الماضي.
بالإضافة إلى موسم الرياض، تساهم عودة مجموعة متنوعة من الأحداث التي تم تعليقها في السابق بسبب الوباء، في الحفاظ على عدد الزوار الوافدين وتعزيزه؛ على سبيل المثال استقطب معرض الرياض الدولي للكتاب الأخير، الذي استفاد من ترويج واسع النطاق باعتباره أكبر حدث ثقافي سعودي، أكثر من مليون زائر من جميع أنحاء البلاد. وهذا يساهم في تحسين معدلات الإشغال في فنادق العاصمة. فضلًا عن ذلك، أدى النشاط المتزايد بين الشركات الدولية التي تنتقل أو توسع نطاق حضورها في الرياض، إلى تعزيز السفر التجاري.
وأوضح "تراب سليم"، الشريك ورئيس قسم الضيافة والسياحة والترفيه في شركة Knight Frank: "إذا نظرنا للمستقبل، وبالموازاة مع الإطلاق الأخير للنسخة الثالثة من موسم الرياض؛ فإننا نتوقع طلبًا قويًّا على غرف الفنادق هذا الشتاء. بالإضافة إلى ذلك، وكما ذكر، يتوقع أن تستمر أسعار الغرف في الارتفاع في جميع أنحاء المدينة نتيجة ارتفاع وتيرة الأسفار التجارية.
وأضاف: "لتلبية الطلب المتزايد وكجزء من خطط التحول الاقتصادي، يتم التخطيط لعدد لا حصر له من عروض الفنادق الجديدة لاستيعاب الزيادة التي تتوقعها للحكومة في أعداد الزوار. ونحن نتوقع أن يرتفع العدد الإجمالي لغرف الفنادق بحوالى 25% ليصل إلى 25.800 غرفة في أواخر عام 2024، كما يُرتقب أن يكون أكثر من نصف العرض القادم من العلامات التجارية العالمية ويخضع لمعايير التشغيل فيها".
وتابع "دوراني": "يساعد ارتفاع حجم السياحة الوطنية وتزايد عدد مناطق الجذب والأحداث المنظمة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية بالفعل في زيادة أعداد السياح. في الحقيقة، وحتى الآن في العام الجاري، ظهرت المدن السعودية في أربعة من أكثر الخطوط الجوية العشرة ازدحامًا في العالم: ويعتبر خط "القاهرة- جدة" أكثر مسارات الركاب ازدحامًا في العالم، ويليه خط "دبي- الرياض"؛ بينما يحتل خط "دبي- جدة" المركز السادس، وخط "القاهرة- الرياض" المركز التاسع.
"ومن ناحية أخرى، أثرت عودة موسم جدة بصورة إيجابية على أداء الفنادق في المدينة؛ فقد اجتذبت النسخة الأخيرة من هذا المهرجان الترفيهي الذي استمر لمدة ثلاثة أشهر خلال الصيف أكثر من 5 ملايين زائر إلى المدينة، بسبب جاذبية 2.800 حدث ترفيهي وثقافي مبرمج في هذا الموسم".
بالإضافة إلى موسم الترفيه الرئيسي، تظهر أيضًا فعاليات صغيرة عديدة طوال العام، مثل النسخة الثانية من مهرجان القهوة السعودية، والتي تساهم في تعزيز جاذبية المدينة بين السياح المحليين. ويضاف إلى ذلك طبعًا الطلب المعتاد لحوالى 2.5 مليون حاج، الذين يصلون إلى مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة كل عام لأداء فريضة الحج.
وأضافت شركة Knight Frank أن من بين إجمالي التراخيص الجديدة التي منحت لمشاريع الاستثمارات الأجنبية الجديدة في الربع الثاني من عام 2022؛ فإن 60% منها يندرج ضمن قطاع تجارة الجملة والتجزئة. ولا يزال تجار التجزئة الدوليين يتلهفون للعمل في السوق السعودية والدخول إليها، مع تفضيلهم للمتاجر الفعلية في التسوق.
ويسارع بعض تجار التجزئة أيضًا إلى إنشاء منصات إلكترونية خاصة بالسعودية للاستفادة من ازدهار التسوق عبر الإنترنت نتيجة الوباء.. في الواقع، أفاد البنك المركزي السعودي مؤخرًا بأن قيمة المعاملات عبر الإنترنت ارتفعت بنسبة 77% منذ بداية الوباء.
وخلُص "دوراني" إلى أنه "بالتزامن مع تغير تفضيلات المستهلكين؛ ينجذب معظم تجار التجزئة نحو مواقع جديدة وعصرية مثل أتيليه لافي في جدة وسيتي يارد. وقد دفع هذا التمحور في الطلب بعض مالكي وحدات البيع بالتجزئة القديمة في مدينة البحر الأحمر إلى تحفيز المستأجرين الحاليين على تجديد عقود الإيجار في الموقع عبر تقديم تخفيضات في الإيجار؛ "في حين يستفيد آخرون من مستويات الشغور المتزايدة لتجديد عقاراتهم، مع إضافة محلات للمأكولات والمشروبات أو الترفيه -وإن كان بعضها يعمل فقط في مناسبات معينة- لتلبية احتياجات مجموعة واسعة من العملاء، ومعظمهم يبحثون عن وجهات تحظى بنمط حياة لا يمنح للتسوق أولوية رئيسية؛ بينما يهتم أساسًا بعروض الترفيه والتسلية".