وضعت المملكة أول "بذرة" للتنمية في عام 1962م حيث أطلقت أول مؤسسة تنموية حكومية متخصصة في تمويل الأنشطة الزراعية، فكان ميلاد البنك الزراعي العربي السعودي، الذي صار بعد سنوات من إنشائه؛ سنبلة يانعة مثمرة ويصبح مسماه بعد ذلك صندوق التنمية الزراعية.
ومنذ ذلك التاريخ البعيد، بدأت تتشكل ملامح النهضة التنموية بالمملكة، ليصدر بعدها قرار إنشاء بنك التسليف في عام 1971، قبل أن يتطور لاحقًا إلى بنك التنمية الاجتماعية، وفي عام 1974 أُسس صندوقا التنمية الصناعية والعقارية بجانب الصندوق السعودية للتنمية.
وأسهمت هذه الصناديق في "الطفرة" السعودية الأولى أواخر السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، ومن ثم تأسيس صندوق تنمية الموارد البشرية عام 2000م.
وبعد توقف استمر فترة طويلة في إنشاء صناديق حكومية للتمويل، برزت الحاجة إلى إنشاء المزيد منها؛ لتغطية القطاعات التي كانت تعاني من ضعف في التمويل، أو انعدامه.
ومع إعداد الرؤية الطموحة عام 2016، بدأ فجر جديد، وحراك نشط، من أجل معالجة الفجوة التمويلية في بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية، وتمهيد الطريق نحو الاستثمار الأمثل لكل إمكانات الاقتصاد السعودي، والإنسان السعودي، وفق أولويات تراعي الأثر المستقبلي لتشجيع الاستثمار وتعزيز التنمية في مختلف أوجه ومناحي الحياة.
وجاء تأسيس صندوق التنمية الوطني عام 2017، ليتولى الإشراف على كافة الصناديق، ودراسة الاحتياجات التمويلية لكل قطاع، ومدى ملاءمة تأسيس صندوق جديد، في هذا القطاع أو ذاك، بما يشجع على الاستثمار فيه، وبما يسهم في تحقيق المستهدفات التي نصت عليها رؤية السعودية 2030 وما تضمنته من برامج ومبادرات.
ثم تم إنشاء صناديق: الفعاليات الاستثماري، السياحي، الثقافي، البنية التحتية، وبنكى التصدير والاستيراد والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، تباعًا ما بين عامي (2019 - 2021).
وجاء تأسيس صندوق التنمية الوطني بهدف رفع مستوى أداء الصناديق والبنوك التنموية، ومواكبتها لما يخدم أولويات التنمية والاحتياجات الاقتصادية؛ في ضوء أهداف ومرتكزات رؤية المملكة 2030، والإشراف تنظيميًّا ورقابيًّا وتنفيذيًّا عليها، والعمل على تحقيق التكامل والتنسيق بينها بما يسهم في رفع كفاية التمويل والإقراض التنموي وتعزيز العمل المؤسسي والاستدامة في مختلف مسارات التنمية، عبر مراجعة اختصاصاتها واستراتيجياتها وتنظيماتها وهياكلها وخططها، وآليات التمويل والإقراض المعمول بها في تلك الصناديق والبنوك، وتحديثها.
ومن خلال تأسيس الصندوق الوطني، والتوسع في إطلاق صناديق وبنوك تنموية إضافية تحت إشرافه، أصبحت لدى المملكة منظومة تمويل حكومي تعمل بتناغم وتكامل، توجت بالاستراتيجية التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الوطني في مارس 2022، وتهدف إلى أن يكون الصندوق ممكنًا محوريًا للأهداف الاقتصادية والاجتماعية لرؤية المملكة 2030 من خلال العمل على مواجهة التحدّيات التنموية؛ بما يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية.
وتعمل منظومة التنمية، تبعًا لآلية تمويلية مرنة، تأخذ في اعتبارها احتياج كل قطاع مقرونًا بمستهدفات الرؤية، نحو الوصول إلى تنمية مستدامة في كل القطاعات الاقتصادية، عبر تحويل الصندوق إلى مؤسسة تمويلية وطنية متكاملة.
وتستهدف منظومة التنمية تحفيز مساهمة القطاع الخاص بما يزيد على ثلاثة أضعاف من التأثير التنموي في اقتصاد المملكة بحلول عام 2030م. بالإضافة إلى المساهمة في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة؛ بضخ أكثر من 570 مليار ريال سعودي، وزيادة حصة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 605 مليارات ريال، وإيجاد العديد من فرص العمل في المملكة؛ بحلول عام 2030م.
كما تهدف إلى تأمين الوفورات التمويلية للصناديق والبنوك التنموية، وتمكينها من تحقيق نموذج أعمال ومحفظة مستدامة، بالإضافة إلى تعزيز القطاع الخاص في التمويل التنموي والاستفادة من المواءمة والتكامل التجاري والتشغيلي لخدمة مستفيدي الجهات التابعة، وتفعيل المبادرات المعنية بتحسين الأداء والشفافية وزيادة الكفاءة والفعالية.