"هدايات قرآنية 13".. "الصحبة وعلو الهمّة" بناءٌ للذات وتهذيبٌ للأخلاق

الأمثلة القرآنية أظهرت شأنًا عظيمًا بحفظ الحقوق وتهذيب النفوس وبناء العقل
"هدايات قرآنية 13".. "الصحبة وعلو الهمّة" بناءٌ للذات وتهذيبٌ للأخلاق

أظهرت الأمثلة القرآنية شأنًا عظيمًا بحفظ الحقوق وتهذيب النفوس، ورفع الهمم إلى أعالي القمم في السلوك والآداب والاعتقاد، وأوصى الدين الإسلامي ببناء العقل علميًّا ومهاريًّا ودينيًّا والابتعاد عن الوقوع في الحديث بالآخرين.

"سبق"، وعبر سلسلتها الرمضانية "هدايات قرآنية"، تستضيف طوال الشهر الكريم الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضًا من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.

الأخلاق الرديئة

بدأ ضيفُ الحلقة "الذكري" بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ". ثم علّق قائلًا: جاء هذا المثل في سورة الحجرات، والتي ركّزت على أخلاق المؤمن وأدبه مع غيره، ومن ذلك الأدب مع المؤمن الغائب بعدم غيبته "وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ"؛ لأنّ أخلاق المؤمن عالية، وذوقه في التعامل رفيع، فيتعالى عن سفاسف الأخلاق الرديئة، فقد ضرب الله هذا المثل محذرًا من الغيبة، فكما أنك أيها المؤمن تأنف من أكل لحم أخيك حيًّا! فكذلك هي الحال في غيبته! ولخّص "الضيف" حديثه: الغيبة هي ذكر العيب بظهر الغيب، وهي من كبائر الذنوب.

الأخبار الغائبة

وعن فوائد المثل القرآني، قال الباحث الشرعي: جاءت بلاغة القرآن في التدرج بالتنبيه والتعليم؛ فقبل ذكر هذا المثل حذّر من سوء الظن والتحسّس الذي هو طلب الأخبار الغائبة عنك، والتي هي مقدمات للوقوع في الغيبة وشغل الذهن به فيقع في غيبته. وأضاف: حسن الظن بالمسلم من أسباب البعد عن غيبته، ومن روائع الأخلاق قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه": ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا".

بناء العقل

وأضاف في الفوائد: إذا انشغل المسلم بيومه في بناء عقله علميًّا ومهاريًّا ودينيًّا ابتعد عن الوقوع في الحديث بالآخرين غيبة وسبًّا ولغوًا، ولهذا فالغالب ممن يقع بالغيبة تجده فارغًا في يومه، غير ثري في عطائه، فيتخذ الحديث بالآخرين غطاءً لرتق ثغرات ضعف شخصيته. وكذلك قال "الذكري": فضيلة التقوى في البعد عن الأخلاق السيئة، والقرب من الأخلاق الحسنة؛ لأنها تقوي الإيمان وتبني المؤمن في استثمار وقته لله فينشغل بنفسه ونفع غيره عبودية لله.

وختم "الذكري" الفوائد بقوله: في الحديث الصحيح: " أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ. قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُول فَقَد اغتبته، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَد بهتَه". وأضاف: على المسلم أن يبتعد عن الغيبة وغيرها من إيذاء الآخرين قوليًّا وفعليًّا لأنه عين الإفلاس؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتَم هذا، وقذف هذا، وأكَل مال هذا، وسفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار".

وأشار الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية، قائلًا: يظهر جمال هذا الدين العظيم في حفظ الحقوق وتهذيب النفوس، ورفع همتها إلى أعالي القمم في السلوك والآداب والاعتقاد.

الصحبة وعلو الهمّة

واستعرض "الذكري" أهمّ ما يُعين العبد على البُعد عن الغيبة، ذكر منها: "الصحبة - الصحبة - الصحبة"، فإذا صلحت ذكّرت الغافل، وعلّمت الجاهل، ومن اهتم بصحبته عظمت عند الله ثم عند مجتمع الناس قيمته. وختم "الباحث" بوصية الله لنبيه، صلى الله عليه وسلم، ولأمته جميعًا، "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا". وأضاف في "ومضة": اختر صاحبك بعناية، تكن للخير وعلو الهمة مصاحبًا.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org