عدَّ جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن انعقاد منتدى رفيع المستوى حول الأمن والتعاون الإقليمي بين دول المجلس والاتحاد الأوروبي دلالة على رؤية واهتمام المجلس في تعزيز العلاقات مع الدول والمنظمات الإقليمية والعالمية، والمصداقية والمكانة رفيعة المستوى التي يحظى بها مجلس التعاون في العالم أجمع.
جاء ذلك خلال مشاركته اليوم بمنتدى رفيع المستوى حول الأمن والتعاون الإقليمي بين مجلس التعاون الاتحاد الأوروبي في دوقية لوكسمبورغ، برئاسة الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بدولة قطر (رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري)، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيف بوريل، وبحضور أصحاب السمو والمعالي وزراء خارجية دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي.
وفي بداية كلمته قال البديوي: إن الاجتماع يتزامن مع ظروف وتداعيات خطيرة جدًّا، أثرت على الاستقرار الإقليمي والدولي، وتشعبت تداعياتها وتأثيراتها إلى مناطق مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، بين استمرار إسرائيل في عملياتها العسكرية غير الإنسانية في غزة، وانتهاكها لجميع القوانين والأعراف والقيم الدولية والإنسانية، وقيامها بعمليات عسكرية في بعض الدول العربية المجاورة لها، منتهكة بذلك سيادة هذه الدول، مرورًا بالتصعيد الذي يحصل بشكل مستمر في منطقة البحر الأحمر، وانتهاء بالعمليات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران. وإننا أمام منعطف خطير لمستقبل مظلم وعواقب كارثية إذا لم نتمكن من التعامل مع هذه التطورات السلبية من جانب، وإذا لم نتمكن من إقناع كل الأطراف المعنية بهذه التطورات بضرورة الكف الفوري عن ممارساتها، والتخلي بشكل سريع عن خططها وسياساتها التي تشكل انتهاكًا صريحًا للقوانين الدولية.
وأكد البديوي أهمية الالتزام بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وإدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ووقوف الدول كافة إلى جانب الشعب الفلسطيني، مطالبًا بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار والعمليات العسكرية الإسرائيلية، وضمان توفير وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والاحتياجات الأساسية لسكان غزة دون تأخير.
ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف جاد، واتخاذ الإجراءات اللازمة وفقًا للقانون الدولي؛ للرد على ممارسات الحكومة الإسرائيلية وسياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها ضد سكان غزة العزل، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وحماية المدنيين، والامتناع عن استهدافهم، ورفض دول المجلس القاطع لأي مبررات وذرائع لاستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مجددًا إدانة مجلس التعاون لاستهداف الاحتلال الإسرائيلي المستمر والمتكرر للمنشآت المدنية والبنية التحتية في قطاع غزة، بما في ذلك استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف وطواقمها الطبية، ومخيمات اللاجئين والمدارس، مؤكدين دعم المجلس لثبات الشعب الفلسطيني على أرضه، ورفض الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف لتشريد سكان غزة أو تهجيرهم.
وأشار إلى أن الأوضاع بدأت تأخذ منحى آخر خطيرًا جدًّا، وذا انعكاسات سلبية على أمن المنطقة؛ فعلى كل الأطراف التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتغليب الحكمة؛ لتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الحروب، وذلك نسبة للتصعيد العسكري الأخير الذي شهدته منطقتنا بين إيران وإسرائيل، مجددًا معاليه الدعوة إلى مؤتمر دولي، تشارك فيه جميع الأطراف المعنية؛ لمناقشة كل المواضيع المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتوصل إلى حل يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية.
وفيما يخص الشأن اليمني أوضح الأمين العام لمجلس التعاون أن قرار مجلس الأمن رقم 2722 الصادر في يناير 2024 يطالب الحوثيين بالتوقف عن مهاجمة سفن الشحن العابرة في البحر الأحمر؛ لذا فإنه من المهم دعم الجهود الكفيلة ببناء القدرات لقوات خفر السواحل اليمنية، بما يمكّنها من القيام بدورها في محاربة أي جماعات أو ميليشيات تعمل على الإخلال بأمن المنطقة، وأن تتمكن من العمل على الحفاظ على استقلال وسيادة جميع الأراضي اليمنية ومياهها الإقليمية، منوهًا بالدور الكبير للمملكة العربية والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، اللتين تقومان بجهود كبيرة لبناء قدرات قوات خفر السواحل اليمنية، والتطلع إلى دعم أصدقائنا في الاتحاد الأوروبي؛ لدعم جهود المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والأمم المتحدة؛ لإنجاح الوساطة بين الأطراف اليمنية، واستكمال مسيرة السلام، وفقًا للمرجعيات الثلاث المتفق عليها: المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار 2216.
وأكد أن الأوضاع في سوريا ولبنان تبقى تحت مظلة اهتمام مجلس التعاون بشكل مكثف؛ إذ يدعو المجلس إلى حل سياسي شامل، يضمن السلامة والأمن لجميع المكونات السورية، ويحترم سيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، وفقًا لقرار مجلس الأمن 2254. مبينًا أن مجلس التعاون بالنسبة للبنان ثابت في دعم الاستقرار والسلام الداخلي، من خلال حث جميع الفاعلين السياسيين في لبنان على العمل معًا لتجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية، والتركيز على إعادة البناء والتنمية الاقتصادية. كما ندعم بقوة الجهود الرامية لتعزيز الحكومة اللبنانية ومؤسساتها الوطنية؛ ما يسهم في تحقيق تطلعات الشعب اللبناني في الحياة الكريمة والمستقبل الأفضل، مؤكدًا الأهمية القصوى للحفاظ على الاستقرار الإقليمي؛ إذ تسلط هذه الأحداث المؤسفة مجددًا الضوء على ضرورة تعزيز التعاون الدولي، وتوحيد الجهود لتجنيب المنطقة المزيد من الصراعات، وضمان سلامة شعوبها وازدهارها.
وسلط الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الضوء على العلاقات المتميزة الخليجية – الأوروبية، مشيدًا بمخرجات حوار الأمن الإقليمي الأول بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، الذي تم انعقاده في مقر الأمانة العامة في شهر يناير، كذلك تنفيذ قرار المجلس الوزاري المشترك بتأسيس هذا الحوار بهدف تنسيق جهود الجانبين بشأن القضايا الإقليمية والعالمية، بما في ذلك قضايا الانتشار النووي، وانتشار الصواريخ والطائرات بدون طيار، والأمن البحري، والأمن السيبراني، ومكافحة الإرهاب وتمويله، والفكر الإرهابي المتطرف، والاتجار بالبشر، وتهريب المخدرات، والهجرة غير النظامية، والجريمة المنظمة، إضافة إلى أمن الطاقة، وأمن الإمدادات الغذائية العالمية، والتأهب للكوارث، والاستجابة إلى حالات الطوارئ.. متطرقًا لمخرجات الحوار الأمني، واتفاق الجانبين على إعداد مقترحات تفصيلية للتعاون في خمسة مجالات رئيسية، هي: الأمن البحري، الأمن السيبراني، مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووي، إضافة إلى إدارة الأزمات والاستجابة للطوارئ.
وأشار إلى أنه جرى إعداد هذه المقترحات تمهيدًا لمناقشتها ووضعها في صيغتها النهائية في الاجتماع القادم لمجموعة العمل، وإلى ما تمخض عن هذا الحوار من مقترحات لتوقيع مذكرات تفاهم بين الجانبين في مجال مكافحة المخدرات، والمجال الشرطي، ومجال العدالة الجنائية، ومناقشة إمكانية الاستفادة من برنامج تبادل المعلومات البحرية، والبرامج التدريبية في الكلية الأوروبية للأمن والدفاع، وتنظيم تدريبات ومناورات بحرية مشتركة. وبهدف الإسراع في تنفيذ ما تمت مناقشته في الاجتماع الأول لحوار الأمن الإقليمي، فإنه يجري التنسيق حاليًا لعقد الاجتماع الثاني في النصف الثاني من 2024.
وفي الختام أكد معالي الأمين العام أهمية التركيز لارتقاء منتدى اليوم بالشراكة الاستراتيجية التي تمضي قُدمًا إلى مستوى أعلى من خلال مناقشة قضايا الأمن الإقليمي على هذا المستوى الرفيع، والتطلع إلى أن نخرج اليوم بمقترحات، من شأنها الدفع قُدمًا بالعمل المشترك؛ للارتقاء بالعلاقات المتميزة القائمة بين الجانبين، ومواجهة ما يحيط بالمنطقة من أخطار وتحديات عديدة، وتنسيق المواقف تجاه القضايا المختلفة في المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية، ووضع رؤية مستقبلية مشتركة للتعاون في قضايا الأمن، من خلال التنسيق والتشاور والتفاهم المشترك، بما يحقق الأمن والاستقرار والرخاء، ويعود بالمنفعة المتبادَلة للجانبَين.