صلاة الغائب بأمر "المؤسس".. افتتاح دار "العبداللطيف" بشقراء والقصة يرويها أحفاده

صفحات من حياته وإرثه الثقافي تُوَثقها "سبق".. زيارات ووثائق وجهد يُكتب بماء الذهب
صلاة الغائب بأمر "المؤسس".. افتتاح دار "العبداللطيف" بشقراء والقصة يرويها أحفاده

افتتح محافظ شقراء عادل بن عبدالله البواردي، دار ومكتبة قاضي شقراء والوشم السابق إبراهيم بن عبداللطيف، رحمه الله؛ وذلك في الساحة المقابلة لمسجد الحسيني بالبلدة التاريخية.

حضر حفل الافتتاح أحفاده: الدكتور صالح عبدالعزيز العبداللطيف، ومحافظ المزاحمية السابق عبدالرحمن العبداللطيف، ومن "أسباط الشيخ" محافظ الطائف السابق عبدالله السالم، والشيخ حمد آل جميح.. كما حضر الحفل حمد السبتي، وإبراهيم الدحيم، ورئيس مركز الجريفة محمد المسفر، ومعرف آل جوفان الدكتور فلاح الجوفان، ومحمد الحسيني، والدكتور عبدالله المترك، وعدد من أحفاد الشيخ وأسباطه والمهتمين بالتاريخ.

وتضم مكتبة الشيخ العبداللطيف رسائل من الإمام عبدالرحمن الفيصل والملك عبدالعزيز، ووثائق تاريخية واجتماعية عن مدينة شقراء وإقليم الوشم، وفتاوى وإجازات وخطبًا منبرية، ومخطوطات، تتناول عدة مجالات مختلفة.

واستغرق الحفيد صالح بن عبدالعزيز بن إبراهيم العبداللطيف، 12 عامًا في عملية البحث والتجهيز للدار والمكتبة، وهي دار شهدت زيارة تاريخية من الملك المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله.

التقت "سبق" عددًا من أحفاد الشيخ إبراهيم العبداللطيف وأسباطه، لتسليط الضوء على جانب من حياته وسيرته ومكانته، إضافة إلى إرثه العلمي والثقافي والتاريخي.

نسبه وحياته العلمية

يقول حفيده الدكتور صالح العبداللطيف عن صاحب الدار: هو الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالله بن عبداللطيف بن محمد الباهلي، وُلد سنة 1271هـ في عنيزة، وانتقل به والده صغيرًا إلى شقراء حاضرة إقليم الوشم.

ويضيف: "حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو في الثانية عشرة من عمره، وقدمه جماعته في شقراء للإمامة وهو لا يزيد على العشرين، وتتلمذ على والده وعلى علماء أجلاء في شقراء، وعلماء من الرياض عند ترددهم على شقراء".

حياته العملية

ويتابع الدكتور حديثه عن الشيخ إبراهيم قائلًا: "تولى الإمامة في مسجد الحسيني بشقراء بأمر من الإمام عبدالرحمن الفيصل، وجامع شقراء، الذي مكث فيه نحو خمسين عامًا، واشتهر خلالها بصفات نادرة حيث لم يسهُ قط في الصلاة، أو يخطئ في القراءة، أو يتخلف عن الإمامة إلا في حال المرض".

ويكمل: "خدم أهل شقراء والوشم مدة ستين عامًا من خلال توثيق معاملاتهم توثيقًا شرعيًّا من مبايعات ووصايا ووقفيات ومُداينات ومزارعات وغيرها، لثقة الناس به، وقلة المتعلمين آنذاك. وكان صاحب حلقات تعليم في مسجد الحسيني وجامع شقراء امتدت لأكثر من نصف قرن؛ حيث تتلمذ عليه أعداد لا تحصى من القضاة والعلماء وأئمة المساجد ورجال التعليم والحسبة والوجهاء والعامة وغيرهم".

ويضيف: "ولاه الملك عبدالعزيز قضاء الوشم وتوابعه بعد ترشيح العلماء له في الرياض عام 1337هـ، واستمر فيه إلى وفاته عام 1352هـ، واشتهر خلالها بالتقى والورع والعدالة والتواضع ومحبة الناس، فأجلوه وبادلوه حبًّا بحب.. ولا يخلو كتاب عن علماء نجد من ترجمة له وثناء عليه؛ وقد سار على نهجه القويم أبناؤه عبدالله ومحمد وعبدالعزيز وعبداللطيف وصالح، وبناته الثلاث حصة ولطيفة وهيلة؛ وصلاح الآباء يدرك الأبناء؛ بل والأحفاد إذا مَنّ الله عليهم بذلك".

ويردف: "كان -رحمه الله- مخلصًا وداعمًا لمشروع توحيد البلاد المبارك، وكان من الشخصيات الذين دعاهم الملك عبدالعزيز لحضور مؤتمر الجمعية العمومية في الرياض عام 1347هـ الذي جُددت له فيه البيعة، وأسس دعائم الاستقرار، ومن ثم نجاح ملحمة التوحيد، كما كان من القضاة الذين كلفهم الملك المؤسس مع آخرين بجمع احتياجات المجهود الحربي إبان عملية التوحيد وتسليمه لبيت المال في الوشم، وجهز أحد أولاده بالراحلة والسلاح، وأرسله في إحدى المعارك تحت لواء أهل الوشم.

أمر "المؤسس" بصلاة الغائب عليه

ويتابع الحفيد: كان الشيخ ذا مكانة خاصة لدى الملك عبدالعزيز الذي أثنى عليه في عدة مناسبات ورسائل، ووصفه في إحداها بأنه "محل الروح"، وزاره في بيته في شقراء، وعندما توفي في 18 شوال سنة 1352هـ صلى عليه جمع غفير في شقراء وبلدان الوشم، وعلم الملك المؤسس عبدالعزيز بذلك فبكى وترحم عليه، وأمر بأداء صلاة الغائب عليه في الرياض، وعزى أولاده، كما أمر بذلك أيضًا الأمير عبدالله بن جلوي أمير الأحساء، وأجل إمام وخطيب جامع أشيقر الصلاة عليه إلى اليوم الثاني؛ لأنه كان يوم استسقاء، ليصلي عليه أكبر عدد ممكن من الناس، كما رثاه الأديب المشهور محمد بن عبدالله بن بليهد بقصيدة طويلة مؤثرة يوردها كل من ترجم له.

وثيقتان تاريخيتان عن شقراء بخط يده

ويضيف: "الشيخ -رحمه الله- حرر بنفسه وبحضور أهل الحل والعقد الوثيقتين الخاصتين بإنشاء سوق حليوة في شقراء، ومواصفات بنائه واستثماره عام 1351هـ، كما حرر الوثيقة الخاصة بتنظيم سيل وادي العشرة وسبل الإفادة منه بحضور كافة أصحاب المزارع الكثيرة التي تقع عليه واتفاقهم، وكان قبلها مصدر نزاعات بينهم؛ وذلك عام 1350هـ".

ثناء الطبيب الأمريكي "لويس ديم" عليه

ويواصل: "قال عنه الطبيب الأمريكي لويس ديم، الذي رأس بعثة طبية لمعالجة المرضى في شقراء وعنيزة وبريدة عام 1342هـ بترتيب من الملك عبدالعزيز: إنه "كان في مقدمة الذين أعطيتهم كل الاحترام والتقدير من بين المئات الذين قابلتهم في جزيرة العرب".

مكتبته التاريخية.. ووصيته بالعناية بها

تقول حفيدة الشيخ إبراهيم الدكتور لطيفة بنت عبدالعزيز العبداللطيف أستاذة الآداب بجامعة الملك سعود: "مكتبة الشيخ إبراهيم -رحمه الله- كانت تحتل جانبًا كبيرًا من اهتمامه؛ حتى إنه أكد في وصيته، ضرورة الحفاظ عليها من خلال جملة طويلة جدًّا".

وتضيف: "أوقف الشيخ هذه الثروة العلمية في وصيته لأولاده ولمن يريد الاستفادة منها، وقد نفع الله بها؛ حيث أهدى ابنه الشيخ محمد صندوقًا خشبيًّا كبيرًا يزخر بالمخطوطات والوثائق لمكتبة شقراء العامة عند افتتاحها في ثمانينات القرن الهجري الرابع عشر الماضي، نُقلت بعدها إلى مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض عند تأسيسها.

وتتابع: "أما الجزء الآخر من المكتبة فقد احتفظ بمعظمها ابنه الشيخ عبدالعزيز في الطائف؛ حيث كان وقتها يقيم، واستفاد منها كثيرًا عن طريق الإعارة أو القراءة، ثم آلت بعد وفاته إلى حفيده الدكتور صالح بن عبدالعزيز العبداللطيف الذي أمد كثيرًا من المؤلفين والمحققين والباحثين بصور من رسائل ووثائق ومخطوطات نادرة لا يتوفر بعضها عند غيره".

يُذكر أن حفل الافتتاح حضره سبط صاحب الدار حمد بن عبدالعزيز الجميح، وتجول في الدار واطلع على محتويات المكتبة، وقدم شكره لحفيد الشيخ الدكتور صالح العبداللطيف على اهتمامه بالدار وتجهيزها للزوار وإعداد اللوحات التوضيحية لخدمة الباحثين والمهتمين بتاريخ المملكة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org