مستشار تعليمي يحكي لـ"سبق" كيف حوّل طالبًا على أعتاب الفصل من المدرسة إلى "ضابط رائد"

"العامري" يؤكد ضرورة فهم المتعلم واحتوائه ومراعاة تفضيلاته وميوله وتوجيه طاقته
المستشار التعليمي والتربوي الدكتور محمد العامري
المستشار التعليمي والتربوي الدكتور محمد العامري
تم النشر في

أكد المستشار التعليمي والتربوي الدكتور محمد العامري أن المتعلم بحاجة دائمة للاحتواء والتوجيه والإرشاد والأسلوب الجميل الذي يصنع الجذب.

وقال: الدور التربوي للمعلم يكمن في قدرته على فهم المتعلم ومراعاة تفضيلاته، وميوله وتوجيه طاقته، إضافة إلى أهمية دور المعلم في إحداث التغيير الإيجابي في اتجاهات المتعلمين.

وروى الدكتور العامري لـ"سبق" قصة حقيقية حدثت له أثناء عمله في الميدان التعليمي، حيث إنه قبل ما يزيد على عشرين عاماً في صبيحة يوم عمل اعتيادي له كمشرف تربوي مكلف بزيارة إحدى المدارس في المرحلة المتوسطة، وصل قبل بدء طابور الصباح في المدرسة.

وأضاف: عند محاولتي الدخول للمدرسة فوجئت بإحدى الأمهات تقف عند باب المدرسة وتخاطب وكيل المدرسة مشتكية له من أمر ما يخصها، لم أستوعبه في البدء، فلما اقتربت من الباب رحب بي الوكيل بشكل استثنائي كضيف زائر للمدرسة وطلب مني الدخول مباشرة إلى مكتب مدير المدرسة كما جرت العادة، فإذا بالأم تحاول بعد أن أدركت من ترحيب الوكيل أني لست من معلمي المدرسة بل مشرف زائر فرغبت في الحديث معي وإطلاعي على فحوى الشكوى ضمن الموضوع الدائر بينهما، بينما الوكيل يعتذر منها ويطلب مني الدخول بسرعة.

وأردف "العامري": وقفت متعجبًا من الأمر ثم دخلت مكتب مدير المدرسة المجاور لباب المدرسة، والذي يمكّنه من مشاهدة الأحداث الخارجية للطلاب والزوار في المدرسة عن كثب فسرعان ما استقبلني مُرحباً، موضحاً لي أن هذه أم أحد الطلاب في الصف الثاني متوسط، فاسترسل مدير المدرسة معرفًا بالطالب وأخبرني بأن لديه مشكلات سلوكية وتأخر وغياب متكرر دفعت المدرسة لاستدعاء ولي أمره والتهديد بفصله، وهو يرغب في ترك الدراسة وأمه تصر على بقائه.

وتابع: الطالب أوضح لي أنه تغيرت حياته بعد انفصال أمه عن أبيه، ووجود مشكلات أسرية شديدة بينهم ونزاع، وقد رسب الطالب في الصف الأول وتأخر عن زملائه، مما جعله أكبر عمراً من أقرانه الطلاب وأضخمهم بنية لذلك يجلس في الصف الأخير، كما أنه غير مكترث بالواجبات المنزلية ولا يتجاوب مع المعلمين، ولديه العديد من السلوكيات المشاكسة للمعلمين، فتكرر شكواهم منه، كما أنه مزعج لزملائه.

وقال "العامري": حينها، قلت لأخي مدير المدرسة: تعلم يا أخي أنني مشرف تربوي زائر وأنت كمدير مدرسة مشرف تربوي مقيم، وهذه المشكلات الطلابية هي في العادة من صلاحياتك، ولكن أنت أيضاً تعلم أنني قد سبق لي العمل كمرشد طلابي ورائد نشاط طلابي ولعل هذه الخبرة السابقة تساعدنا في حل مشكلة هذا الطالب، فإن سمحت لي أن أبحث وضعه وأتعامل مع هذه المشكلة فالأمر لك، فأنا أعرض خدماتي عليك كمتخصص.

وأضاف: لقد رحب بالأمر وبدأ تجاوبه وتسهيله لمهمتي، قلت له إذاً اعتبرني اليوم أحد أفراد إدارتك المدرسية المكلف من قبلك بحل المشكلة، فقلت: قبل البدء أطلب طلبًا إن سمحت! فقال: ما هو؟! فقلت: ما أوصي له من توصيات تنفذ من قبلك، فقال: ما لم تعارض النظام أبشر، فقلت: اتفقنا.

وأردف: بعد ذلك، اتجهت للأم عند باب المدرسة وعرفتها بنفسي وبصفتي كمشرف تربوي زائر وقلت لها: أختي الكريمة أبشري ابنك ابننا وثقي بأننا سنبذل جل جهدنا لحل مشكلة ابنك.

وتابع: طلبت أن أجلس مع الابن حسام بمفردنا في حجرة المرشد الطلابي، فلما حضر وجدته مراهقاً ممشوق القوام سمح الوجه تبدو عليه آثار البعثرة كمن عصفت به الحياة، فقلت: اجلس يا ولدي، فلما جلس قلت له: أنا مشرف تربوي زائر للمدرسة، ودوري هنا هو السماع منك وحل مشكلتك، فدعني أسمع منك واحكِ لي ما تريد بكل راحة وأخبرني بشكواك وما ترغب قوله ستجدني المستمع المنصت بإذن الله، أنا هنا يا ولدي لأجلك ولك.

وواصل "العامري" حديثه لـ"سبق": قال الطالب بصوت يحمل الكثير من الإرهاق الممزوج بمشاكسة المراهقة: كل ما أريده هو ترك الدراسة وأمي ترفض ذلك، أريد إما أن أفصل من المدرسة أو أحول للدراسة الليلية؛ كي أبحث عن عمل وأنفق على نفسي وعلى أمي وإخوتي، وقال: أنا أجلس في نهاية الصف، كما أني أظهر وكأني أكبرهم دائماً الكل يتعامل معي على أني ذلك الراسب المشاغب، أصبحت النظرة لي ثابتة من قبل الجميع، فأنا الفاشل دائما، فقلت له: ولدي أنا موجود هنا لمساعدتك، وإذا كنت تريد أن نفصلك سنقوم بفصلك! لكن ما رأيك أن نجرب ونعطيك فرصة؟

وأضاف: قلت له: سأجعلك عريفاً للفصل، وأشركك في الكشافة وأجعلك تشارك في إذاعة الصباح وفي الأنشطة والرحلات، وستكون ذا رأي مسموع ومشورة مأخوذ بها وكلمة الكل يحترمها، فأنا أراك أهلًا لذلك، وقلت له: نحن أمام خيارين الآن؛ إما أن تثبث أنك رجل يريد النجاح ويستفيد من هذه الفرصة ليعيد اكتشاف نفسه وتنجح في دراستك وترعى أمك، أو أن تضيع هذه الفرصة وتستمر في إرهاق أمك، وتدمير ذاتك وحياتك، وفي هذه الحالة ستجد أننا لن نسمح لك بفعل ذلك، فإن كان والدك غائب وأنت تستغل ذلك لتهرب من المدرسة وإرهاق أمك فأنا ومدير المدرسة سنقوم بواجبنا تجاهك وسنقوم بعمل اللازم وفق لوائح الانضباط وقواعد المواظبة والسلوك، فماذا تختار؟ اختر الآن وعدني أن تنفذ الخطة، ومددت يدي إليه فإذ به يمد يده لي ويعلن عن موافقته والتزامه بالتغيير مرحبًا وراغبًا.

وأضاف "العامري": فعلاً تم الأمر كما اتفقنا، والعجيب أنه بعد أسبوعين اتصل مدير المدرسة طالبًا مني زيارة المدرسة وكان في صوته الكثير من نبرات السعادة قائلاً: الطالب (حسام) كعريف فصل قام بصبغ الفصل بدهان جديد، وأقنع الطلاب بمساعدته مقسمًا بينهم الأدوار والمسؤوليات كي يخرجوا الصف بمنظر جاذب مفعم بالحيوية والتعلم، فتسابق الطلاب معه بين رسم ولوحات وتحف وتجهيزات، وكان حُسام المُحرك الحي لهم.

وأردف: عندما زرت المدرسة وجدته مشاركاً في إذاعة الصباح، متحفزاً للتعلم، وخلال عام من النشاط والحيوية نجح بحمد الله، وتغيرت حياته وثبتت خطواته، واستطاع أن يعرف موضع قدمه بكل ثقة، وها هو حسام اليوم ذلك الطالب، أصبح رجل أمن برتبة رائد يخدم وطنه، ويظلل بوريف ظلاله على أمه وأسرته، فهنا نقول: لا بد أن نثق فعلًا بأن الاحتواء يصنع الفرق بين الجذب والنفور.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org