ينعم ضيوف الرحمن في رحلتهم الإيمانية، حجًّا كان أو عمرة، بالبرودة في أقدامهم عند وطئها أرضيات الحرم الرخامية، وذلك رغم درجات الحرارة "القاسية"، وخاصة في فصل الصيف.
وكشفت الهيئة العامة لشؤون الحرمين السرّ وراءها، قائلة: إنها تعود إلى "رخام التاسوس" المستخدم في أرضيات المسجد الحرام والمسجد النبوي.
يأتي ذلك من خلال رخام استقدمته المملكة من موطنه الأصلي في جزيرة تاسوس باليونان، بعد أن أولت القيادة السعودية جلّ الاهتمام باستيراده؛ لمميزاته التي تجعله خيارًا مناسبًا لمساحات الحرمين الشريفين والأعداد المليونية من الحجاج والزائرين والمعتمرين التي تستقبلها كل عام.
وتعليقًا على ذلك الرخام، قال وكيل الرئيس العام للشؤون الفنية والتشغيلية والصيانة المهندس فارس الصاعدي: الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي تقوم بالإشراف على أعمال صيانة الرخام، بعمل جولات الصيانة الدورية له بصحن المطاف والساحات الخارجية للمسجد الحرام، من خلال معالجة الرخام وترميمه، ومن ثم جليه وتلميعه، أو استبدال الذي لم يعد صالحًا للاستخدام.
وأضاف: الأعمال تتمّ على مدار الساعة من خلال أكثر من 40 موظفًا من مهندسين وفنيين، والرخام يتميز بشدة برودته رغم الحرارة الشديدة التي قد تصل في فصل الصيف إلى 50 درجة مئوية.
وأردف "الصاعدي": هذا النوع من الرخام نادر الوجود، ويتمّ استيراده خصيصًا للحرمين الشريفين، ويعمل على عكس الضوء والحرارة، ويصل سمك الرخام المستخدم في الحرمين الشريفين إلى 5 سنتيمترات؛ حيث يمتاز عن غيره بكونه يمتصّ الرطوبة عبر مسامات دقيقة خلال الليل، وفي النهار يقوم بإخراج ما امتصه في الليل؛ ما يجعله دائم البرودة في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
وقبل 45 عامًا فرش الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود أرضية المسجد الحرام برخام التاسوس، بعد أن أنهى ما تبقى من عمارة وتوسعة المسجد الحرام عام 1396هـ، وتوسعة المطاف عام 1398هـ في شكله الحالي، وتولي حكومة خادم الحرمين الشريفين اليوم بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان؛ العناية بضيوف الرحمن وكل ما يعينهم على أداء مناسك الحج والعمرة بيسر وسهولة.
وقامت الحكومة السعودية باستيراد الرخام على شكل قطع صخرية ضخمة، يصل رخام التاسوس إلى المملكة، لتبدأ عملية معالجتها في المصانع السعودية، وبإشراف كوادر فنية مؤهّلة لقص تلك القطع إلى بلاطات بمقاسات معينة وبمعايير خاصة.
ويتميّز رخام التاسوس عن غيره بلونه الأبيض الكريستالي، وهو من أنقى الأحجار الطبيعية وأكثرها صلابة، ويتميّز كذلك بكونه يمتصّ الرطوبة عبر مسام دقيقة خلال الليل، وفي النهار يقوم بإخراج ما امتصه في الليل؛ مما يجعله دائم البرودة حتى في درجات الحرارة العالية، ويتمتع بمتانة ممتازة، فيما جعلته مساميته المنخفضة أقل عرضة للبقع والعوامل الجوية مقارنة بأنواع أخرى من الرخام.
واستنادًا إلى سعر رخام التاسوس الذي يتراوح بين 250 و400 دولارًا للمتر المربع؛ فإنه ووفق تقديرات، فإن كلفة تغطية كامل مساحة ساحات المسجد الحرام في مكة، والتي تبلغ نحو 356 ألف متر مربع، بالرخام التاسوسي؛ ستتراوح بين 89 مليون دولار و142 مليونًا و400 ألف دولار.
وللرخام المشهور بلونه الأبيض النقي ومظهره البلوري، تاريخ طويل وعريق يعود إلى العصور القديمة؛ فالإغريق القدماء استخدموه لمجموعة متنوعة من الأغراض، أبرزها النحت والعمارة والديكور.
وجاء ذلك الاختيار لجودته العالية؛ حيث كانت مادة مفضلة للفنانين والبنائين؛ مما أهله للاستخدام على نطاق واسع، في المنحوتات الضخمة والمشاريع المعمارية المهمة، خلال الفترة الكلاسيكية لليونان القديمة، كان رخام ثاسوس ذا قيمة عالية واستخدم على نطاق واسع، تشمل الأعمال البارزة التماثيل والهياكل في المعابد والمباني العامة.