بَيّنت "الأمثال القرآنية" أنَّ صلاح العمل مرتبط بثباته، وقبوله محصور ومقصور على أهلها؛ ومراعاتهم جانب طلب رضوان الله عن أعماله، وأنَّ ذلك من التقوى، كما تتضح حقيقة العبد في سعيه وعمله ببناء الأعمال، وتناولت رسائل الإعجاز القرآني جوانب مهمة من جوانب تأسيسها على أساس متين حتى تزداد صلابةً وقوة.
"سبق" وعبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، تستضيف طوال الشهر الكريم، الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضاً من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.
بدأ ضيفُ الحلقة "الذكري"، بقوله تعالى، "أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، وقال: جاء هذا المثل مبيناً أن صلاح العمل في ثباته كالبنيان المؤسس على قوة في الثبات، بخلاف ضده فهو كحال من كان على شفا انحدار وهاوية لا ثبات فيها، وفي هذا المثل إبراز تشبيه الأعمال كالبنيان وأن العبد في حقيقة سعيه وعمله يبني بناء الأعمال، وشتان بين بناء مؤسس على قوة، و الآخر الذي فقد ذلك كله! وجاء في سياق ذم مسجد الضرار الذي ابتناه المنافقون، للتفريق بين المسلمين وإلحاق الضرر باجتماع الكلمة.
وأضاف الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية: في "المثل" مدح أول مسجد أسس على التقوى وهو مسجد قباء، وأنه أسس على الإخلاص وإقامة شعائر دين الله. كما نبّهت الآية إلى أن المقصود الأعظم هو تحقيق التقوى ورضى الله - عز وجل -، وفيها شحذ همة العباد إلى الترقي في طلب التقوى ليحصل رضى الله، والتقوى وقاية من الشر، ونماء في الخير، وأجمع تعريف لها قول طلق بن حبيب - رحمه الله -: "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله".
وعن ثمرات التقوى، ذكرها "الذكري": أنّ قبول الأعمال محصور ومقصور على أهلها، قال - تعالى- "إنّما يتقبل الله من المتقين"، وأنّ أهلها عن النار مبعدين، قال - تعالى - عن النار "وإن منكم إلا واردها كان على ربّك حتماً مقضيّا* ثم نُنجي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيّا"، كما ذكر بأنّ أهل التقوى لجنة الله وارثين، قال - تعالى - " تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقياً"، وقال "إنّ المتقين في جنّات ونهر* في مقعد صدق عند مليك مقتدر"، وأشار إلى محبة، وفقاً لقوله تعالى: "إنّ الله يحب المتقين"، وأن الله يخرجهم من المحن والبلايا، قال - تعالى -: "ومن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعل لَهُ مَخرجا".
وعن الفوائد من المثل، قال الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية: أنّ يراعي المسلم جانب طلب رضوان الله عن أعماله وأن ذلك من التقوى، لينعم بالقبول، وخسارة من قَدِمَ على الله ولم يثبت في حسن القصد مراده فيكون كحال المنافقين وأعمالهم من جهة عدم إرادة ما عند الله، وأضاف: ما كان لله يبقى ولو قلت إمكانياته، خلافه يزول ولو عظمت مقوماته، لأنّ القوة الحقيقية صدق النية وصفاء الاتباع.
وختم الباحث "الذكري"، حديثه عبر "سبق"، بالإشارة إلى قول السعدي - رحمه الله - "العمل المبني على الإخلاص والمتابعة، هو العمل المؤسس على التقوى، الموصل لعامله إلى جنات النعيم، والعمل المبني على سوء القصد وعلى البدع والضلال، هو العمل المؤسس على شفا جرف هار، فانهار به في نار جهنم، واللّه لا يهدي القوم الظالمين".