تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ونيابة عنه حضر الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، اليوم، انطلاقة منتدى الرياض الدولي الإنساني في دورته الثالثة، الذي ينظمه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالشراكة مع الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية في مدينة الرياض.
ولدى وصوله مقر الحفل عُزف السلام الملكي، ثم بدأ الحفل الخطابي بآيات من القرآن الكريم.
عقب ذلك، ألقى المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة كلمة المنتدى التي رحّب فيها بالجميع في الرياض عاصمة العطاء والإنسانية، مثمنًا حضور هذا الجمع الإنساني الكبير منتدى الرياض الدولي الإنساني الثالث، والذي حظي منذ انطلاقته بالرعاية الكريمة والدعم الكبير من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وحضور الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض.
وقال: "نجتمع اليوم والعالم يشهد الكثير من الكوارث والأزمات والصراعات والأحداث التي فاقمت الأوضاع الإنسانية وضاعفت تحدياتها، ولعل آخرها ما حلّ بالشعبين السوري والتركي من كارثة أودت بحياة عشرات الآلاف، وجعلت الملايين بلا مأوى، سائلين الله تعالى الرحمة والمغفرة لمن فُقدوا، والشفاء لمن أُصيبوا، والعون لمن شُردوا".
وأضاف: اجتماعنا اليوم يتوجب المزيد من تضافر الجهود وتوسيع رقعة المانحين دولًا وهيئات وأفرادًا، ورفع مستوى التنسيق والأثر للمساعدات الإنسانية، ليكون عملنا أكثر فعالية واستجابة، وهذا المنتدى يحظى بالاهتمام الكبير والمشاركة الفاعلة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، حيث يشارك قيادات العمل الإنساني في 50 دولة، وما يقارب من 60 منظمة، مما يجعل العالم يتطلع لما يخرج من الجمع الرفيع المستوى من حلول وتوصيات تصب في مصلحة العمل الإنساني.
وعن محاور المنتدى أردف أن المجتمعين سوف يناقشون الفجوة الإنسانية وتوحيد الجهود وآليات تطوير العمل الإنساني، وتفعيل إيجاد حلول مستدامة وفاعلة، والاستفادة من التطور الرقمي والذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات، وتوسيع المساعدات والتحقق من أثرها على الأرض، وتفعيل الرقابة والشفافية والحيادية، إضافة إلى تركيزه على دور المرأة والشباب في الاستجابة الإنسانية، ورفع مستوى الحماية للفئات الأكثر ضعفًا، والعناية بقضايا الأمن الغذائي والنزوح والهجرة وتعزيز الشراكات ودعم الدراسات والبحوث الميدانية الرامية إلى زيادة أثر العمل الإنساني.
وفي ختام كلمته، رفع "الربيعة" أسمى عبارات الشكر والتقدير والعرفان إلى خادم الحرمين وسمو ولي عهده الأمين على الدعم الكبير والتوجيهات السديدة، سائلًا المولى عز وجل النجاح لأعمال المنتدى وأن تؤدي نتائجه إلى حلول مبتكرة ومستدامة للتحديات التي يواجهها العالم اليوم في المجال الإنساني.
وشاهد الجميع عرضًا مرئيًا عن منتدى الرياض الدولي الإنساني الثالث نال استحسان الحضور.
وألقى وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شكر في بدايتها المملكة العربية السعودية، موضحًا أن المشهد الإنساني الماثل أمامنا هو مشهد قاسٍ، فالاحتياجات تتصاعد في جميع أنحاء العالم والأزمات الإنسانية تتراكم فوق بعضها البعض، فيما يتطلع اليائسون إلينا في وقت الحاجة، وتتعرض حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة لهجوم وحشي في العديد من الأماكن مما يضر بمجتمعات بأكملها.
ولفت إلى أن العالم يعيش أكبر أزمة غذاء في التاريخ الحديث والمجاعة تدق على العديد من الأبواب، مفيدًا أن التوترات عالية من حرب أوكرانيا التي على وشك دخولها عامها الثاني إلى كارثة زلزال تركيا وسوريا الذي أودى بحياة عشرات الآلاف، وتسبب في دمار لا يوصف.
وأضاف مارتن غريفيث أن أكثر من 350 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية حول العالم، وأكثر من 222 مليون شخص لا يعرفون متى سيأكلون وجبتهم التالية، أو ما إذا كانوا سيجدون ما يأكلونه أصلًا، و45 مليون شخص باتوا بالفعل على شفا المجاعة، معظمهم من النساء والأطفال، ونحن بحاجة إلى ما يقارب 54 مليار دولار أمريكي؛ لتلبية الاحتياجات الأساسية للأشخاص الأكثر تضررًا.
ودعا غريفيث لإنهاء الحروب والصراعات التي نعرفها ووقف اندلاع نزاعات جديدة، ومعالجة تغير المناخ بشكل مباشر؛ لأن كل فيضان أو موجة حر أو جفاف أو عاصفة شديدة تترك في أعقابها أزمة إنسانية، وكذلك اتخاذ إجراءات حاسمة لخفض الانبعاثات والتحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
وذكر أنه استجابةً لهذه الحالة الطارئة، أعلن الأمين العام للتوّ عن مبلغ غير مسبوق قدره 250 مليون دولار من صندوق الطوارئ التابع للأمم المتحدة، الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، حيث ستمكّن هذه الأموال من اتخاذ إجراءات مبكرة والاستباق على الأزمات القائمة بما في ذلك المجاعات.
وفي ختام كلمته، أكد غريفيث أنه لا يمكن للعمل الإنساني أن يقف بمفرده، فنحن بحاجة إلى كل الأيدي على سطح السفينة، من خلال العمل معًا لإيقاف النزاعات ومعالجة حالة الطوارئ المناخية ومحاربة المجاعات والاستعداد لحالات الطوارئ التالية التي ستظل حتمًا قاب قوسين أو أدنى.
بعد ذلك، ألقى وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان كلمة جاء فيها: استمَدادًا من قِيَم ديننا الإسلامي الحنيف، طالما دأب ملوك المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وأبنائه الأبرار من بعده وصولًا إلى العهد الميمون لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على حشد إمكانياتها من أجل خدمة القضايا الإنسانية ومد يد العون لرفع المعاناة عن المتضرر وإغاثة الملهوف أينما وجدت الحاجة، دون تمييز عرقي أو ديني، وقد بلغ حجم المساعدات التي قدمتها المملكة 95 مليار دولار أمريكي، استفادت منها 160 دولة حول العالم عبر 7 عقود.
وأضاف أنه في خضم الأزمات والتحديات الجيوسياسية والاقتصادية، تستمر المملكة بالتقدم في عطائها الإنساني والتنموي؛ مما جعلها في مقدمة الدول المانحة للمساعدات الإنمائية والإنسانية إلى الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل بمبلغ يتجاوز 7 مليارات دولار أمريكي.
واستذكر أن آخر الجهود الإنسانية للمملكة هو توجيه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- بتسيير جسر جوي وتقديم مساعدات إنسانية متنوعة وتنظيم حملة شعبية، لتخفيف آثار الزلزال على الشعبين السوري والتركي، المعاناة التي تألم لها العالم أجمع، وإذ نقف اليوم احترامًا وتقديرًا لكل فرد بذل جهدًا أو مالًا لضحايا الزلزال المدمر، فإن هذه الأحداث المتكررة تُذكّرنا بحاجتنا الماسّة لإنسانية بلا حدود؛ لضمان صون الإنسان وكرامته، وتدفعنا لمضاعفة الجهود في سبيل تجنّب ويلات الحروب، والتعاون لمواجهة الكوارث، وضمان إيصال المساعدات لمستحقيها تماشيًا مع القانون الدولي الإنساني ومبادئ العمل الإنساني.
وبيّن أن المملكة قد عملت بشكل استباقي للحد من تدهور أوضاع الدول والمجتمعات المتضررة، والسعي لإيجاد الحلول العملية والفاعلة من خلال التعاون الإقليمي والدولي؛ حيث أعلنت المملكة في العامين الماضيين عن سلسلة من المبادرات التي تجاوزت المستوى الوطني، وأثبتت ريادة المملكة في شؤون المناخ على المستويين الإقليمي والعالمي، وتم الإعلان عن تأسيس مركز إقليمي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لخفض الانبعاثات الكربونية ومقره الرياض مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة لغرب آسيا "الإسكوا"، وهذا التعاون يجسد أهمية العلاقات متعددة الأطراف لدعم التوازن والسلام والتنمية وتجاوز الأزمات العالمية.