السعودية وجنوب إفريقيا.. علاقات سياسية واقتصادية متطورة.. من هنا كانت البداية

زيارات متبادلة من الجانبَيْن أسهمت في توطيد وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدَيْن
السعودية وجنوب إفريقيا.. علاقات سياسية واقتصادية متطورة.. من هنا كانت البداية

تعود بداية العلاقات الرسمية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية جنوب إفريقيا إلى نوفمبر من عام 1994م، عندما قام رئيس جمهورية جنوب إفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا بزيارة رسمية للمملكة؛ إذ أُنشئت عقب تلك الزيارة بعثتان دبلوماسيتان لجنوب إفريقيا بالسعودية في مارس عام 1995م، هما سفارة جنوب إفريقيا في العاصمة الرياض، والقنصلية العامة في مدينة جدة التجارية. وقد باشر أول سفير جنوب إفريقي مهامه سفيرًا لجمهورية جنوب إفريقيا لدى السعودية في نوفمبر 1996م، بينما وصل أول قنصل جنوب إفريقي إلى مدينة جدة بتاريخ 1 يوليو 1996م. أما سفارة السعودية في بريتوريا فقد افتُتحت عام 1997م.

وأسهمت الزيارات المتبادلة من المسؤولين من الجانبَيْن في توطيد وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدَيْن. وكان من أهم تلك الزيارات: الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس جمهورية جنوب إفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا للمملكة في نوفمبر 1994م، والزيارة الرسمية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- في مايو 1999م عندما كان وليًّا للعهد.

وشهدت العلاقات بين السعودية وجنوب إفريقيا في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين، تطورًا ملحوظًا في شتى المجالات (السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية).

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- قد استقبل في قصر اليمامة بالرياض في مارس 2016م فخامة الرئيس جاكوب زوما رئيس جمهورية جنوب إفريقيا.

وفي يوليو 2018م استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- في قصر السلام بجدة فخامة الرئيس سيريل راما فوزا رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، وعقد -حفظه الله- جلسة مباحثات رسمية مع فخامة الرئيس سيريل راما فوزا.

كما التقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في جدة فخامة الرئيس سيريل راما فوزا، رئيس جمهورية جنوب إفريقيا. وجرى خلال اللقاء بحث أوجه العلاقات الثنائية بين البلدَيْن في مختلف المجالات، وفرص تطويرها، إضافة إلى عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك.

وعلى هامش انعقاد قمة العشرين المنعقدة في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس في نوفمبر 2018م التقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس وفد السعودية المشارك في قمة قادة دول مجموعة العشرين، فخامة الرئيس سيريل راما فوزا، رئيس جمهورية جنوب إفريقيا. وجرى خلال اللقاء استعراض مجالات التعاون بين المملكة العربية السعودية وجمهورية جنوب إفريقيا، وفرص تعزيزها في مختلف المجالات، وبخاصة في مجال الطاقة، والاستثمارات المتبادلة.

وتُعدُّ العلاقات بين السعودية وجنوب إفريقيا متميزة؛ فكلا البلدين عضو في مجموعة العشرين، وفي مجموعة كبيرة من المنظمات الإقليمية والدولية.

وتتمثل أبرز مجالات التعاون الثنائي بين البلدين في "المجال العسكري، وقطاع التعدين، وقطاع الطاقة، وقطاع الزراعة". وقد حظي التعاون في المجال العسكري باهتمام كبير من الجانبين؛ إذ يمثل هذا المجال ملفًا رئيسيًّا للتعاون بين البلدين، ولاسيما في مجال الصناعات الدفاعية؛ إذ تسعى السعودية إلى توطين ما يزيد على 50% من إنفاقها العسكري بحلول عام 2030، والاستفادة من الخبرات الجنوب إفريقية في هذا المجال.

وأثمر التعاون السعودي الجنوب إفريقي في مجال الصناعات الدفاعية افتتاح مصنع للمقذوفات في محافظة الخرج، بالشراكة بين المؤسسة العامة للصناعات العسكرية وشركة (راينميتال دينيل) للذخيرة، بتكلفة بلغت نحو 240 مليون دولار.

واقتصاديًّا، مثَّل التعاون الاقتصادي بمفهومه الشامل حجر الزاوية في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ولاسيما أنهما يتمتعان بإمكانات اقتصادية وثروات طبيعية كبيرة، ويحرصان على تفعيلها وتنميتها واستغلالها بكفاءة عالية لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، وأهداف خطة التنمية الوطنية 2030 بجنوب إفريقيا.

وسعت السعودية من خلال اللجنة السعودية الجنوب إفريقية المشتركة إلى توفير الأرضية والمناخ المناسب للقطاع الخاص لاستغلال الفرص الاستثمارية والتجارية في البلدين بالمستوى المأمول، وتذليل العوائق التي تحد من تدفق الاستثمارات والتبادلات التجارية بينهما، والارتقاء بمجالات التعاون الأخرى إلى مستويات أعلى.

وبحسب الإحصائيات، نما التبادل التجاري بين البلدين في عام 2021 مسجلاً 4.951 مليون دولار؛ إذ كان التبادل التجاري بين السعودية وجنوب إفريقيا متأثرًا بجائحة كورونا العالمية في عام 2020، وسجل فقط 2.996 مليون دولار.

وبلغت قيمة الصادرات السعودية إلى جنوب إفريقيا (عام 2020) 8 مليارات ريال، وأهمها صادرات المنتجات المعدنية، اللدائن ومصنوعاتها، والمنتجات الكيماوية العضوية وغير العضوية، والأسمدة.. بينما بلغت قيمة الواردات منها 3 مليارات ريال، وأهمها المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، والفواكه، والسيارات وأجزاؤها، وخامات المعادن، والخبث والرماد، ومنتجات كيماوية عضوية.. وسجل الميزان التجاري فائضًا لصالح السعودية بقيمة 5 مليارات ريال.

وتحرص السعودية على تنمية علاقاتها التجارية مع جمهورية جنوب إفريقيا؛ وتجسيدًا لذلك افتتحت الهيئة العامة للتجارة الخارجية في مايو 2022 ملحقية تجارية بمدينة جوهانسبرغ لتوسيع نطاق التعاون والعمل المشترك، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، الذي فاقت قيمته الـ18 مليار ريال في عام 2021.

ويسعى البلدان إلى التعاون في زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، وتشجيع الاستثمارات المشتركة في المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية، وتقديم التسهيلات والحوافز لهذه الاستثمارات، بما يتوافق مع طموحات البلدين والشعبين الصديقين، خاصة تحفيز الشركات الجنوب إفريقية على الاستثمار في السعودية؛ إذ يبلغ عدد الشركات المستثمرة في السوق السعودية 10 شركات.

وتعمل كبريات الشركات السعودية على تعزيز حضورها في السوق الجنوب إفريقية؛ إذ أعلنت شركة التعدين العربية السعودية "معادن" افتتاح مكتب إقليمي جديد لها في جنوب إفريقيا، وذلك خلال مؤتمر التعدين الإفريقي "إندابا 2022"، الذي استضافته مدينة كيب تاون في مايو 2022.

وفي مجال الطاقة تتطلع السعودية إلى تعزيز التعاون فيما يتعلق بإمداد جنوب إفريقيا بالبترول، والبتروكيماويات، بموثوقية واستدامة؛ إذ بلغ صافي إجمالي مبيعات البترول الخام السعودي ومشتقاته إلى جنوب إفريقيا 32.066.953 برميلاً في عام 2021، بمعدل 88 ألف برميل يوميًّا.

وأعلنت حكومة جنوب إفريقيا رسميًّا بعد زيارة الرئيس سيريل راما فوزا في عام 2018، ولقائه في مدينة جدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، استثمار السعودية 10 مليارات دولار في جنوب إفريقيا، ولاسيما في مشروعات الطاقة.

وترغب السعودية بدراسة فرص المشاريع المشتركة في قطاع البتروكيماويات في جنوب إفريقيا؛ للمشاركة في النمو في هذا القطاع، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، وتقدر كمية مبيعات سابك من المنتجات البتروكيماوية إلى جنوب إفريقيا بـ961 ألف طن.

ويتعاون البلدان في مجال الطاقة المتجددة وإنتاجها، وتطوير مشروعاتها وصناعاتها، وتعزيز التعاون القائم لشركة (أكوا باور) في جنوب إفريقيا، التي استثمرت في 4 مشروعات قائمة، يجري الإعداد لتنفيذها في هذا المجال.

ويعمل في السعودية 2557 مواطنًا من جنوب إفريقيا، من بينهم 2460 يعملون في القطاع الخاص (معلمون، ومستشارو خدمات فنية، ومعلمو لغات أجنبية، وفنيو صيانة طائرات، وممرضون متخصصون.. وغيرهم)، و97 آخرون عمالة منزلية.

وانطلاقًا من دورها الإسلامي الرائد، تتواصل السعودية مع المسلمين في جنوب إفريقيا خلال المناسبات الإسلامية المختلفة. ومن أمثلة هذا التواصل قيام وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ممثلة بالملحقية الدينية بالسفارة، خلال شهر رمضان الماضي، بتدشين برنامج (هدية خادم الحرمين الشريفين) لتوزيع 11 طنًّا من التمور الفاخرة، وأكثر من 2500 سلة غذائية.

وفي المجال الإنساني قدَّم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مساعدات لجمهورية جنوب إفريقيا بقيمة 1.582.441 دولارًا، وذلك بين عامَيْ 2017 و2021، واستهدفت تمويل 8 مشروعات، منها مشروعان في قطاع الأمن الغذائي والزراعي، و6 مشروعات في قطاع التعليم.

وتمثل زيارة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا سيريل راما فوزا للمملكة فرصة للتشاور والتباحث بين حكومتَيْ البلدَيْن حول التطورات الدولية الراهنة، ولاسيما أنهما يتشاركان عضوية مجموعة العشرين، إلى جانب أن السعودية دولة قيادية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط والعالمَيْن العربي والإسلامي، وتؤثر أيضًا في استقرار أسواق الطاقة العالمية. وفي المقابل تُعدُّ جنوب إفريقيا دولة قيادية مؤثرة في القارة الإفريقية، وعضوًا رئيسيًّا في مجموعة دول (بريكس).

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org