الحرية.. والحجاب الشرعي؟!!

الحرية.. والحجاب الشرعي؟!!
تم النشر في

عندما خلق الله الكائن البشري على وجه الأرض ميّزه عن باقي مخلوقاته بأن جعل له عقلاً يفكر به، ويتأمل به في كونه الفسيح؛ حتى يدرك عظمة خالقه، ونعمة استخلافه في الأرض؛ فيعبده حق عبادة عن دراية وبصيرة، ثم جعله بعد ذلك حرًّا طليقًا؛ حتى يتمكن من التفكير والتدبر وتحمُّل المسؤولية الملقاة على عاتقه في الحفاظ على ما بين يديه من أمانة. وقد أدرك الإنسان قيمة هذه الهبة التي مُنحت له "الحرية"؛ فأصبحت بالنسبة له أغلى وأثمن ما يملك، وصار يكافح ويناضل للحفاظ عليها، ويقيم الحروب والثورات لاستردادها حين يفتقدها.. لكن سؤالاً واحدًا يتبادر إلى الأذهان عند الخوض في غمار هذا الموضوع: إلى أي مدى يمكن للإنسان أن يكون حرًّا في تصرفاته وآرائه؟

حقيقة أن الإنسان حرٌّ فيما يقول ويفعل إنما يحد من حريته هذه شعوره بالمسؤولية تجاه نفسه، وتجاه الآخرين في كل ما يصدر منه بعدم التمادي في استخدام هذه "الحرية"؛ فهي في معناها الصحيح "أن يكون الإنسان مسؤولاً عن كل تصرف حر يصدر منه، حتى يصبح منهجه في الحياة سليمًا". وليس معناها أن يتمرد الإنسان على مجتمعه وأعرافه بشكل غير مقبول، بل "الحرية" الحقة هي أن يحرر الإنسان فكره كلية من كل تصور خاطئ أو تصرف مسيء لدينه وربه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأعراف وتقاليد وسمعة وطنه، ومن كل طبع رديء أو شهوة منحرفة.. أو بمعنى آخر: أن يترفع الإنسان عن الخطايا والزلات جميعًا؛ فيصبح حرًّا فكرًا وتصورًا بالمعنى الصحيح، بأن يتقيد تلقائيًّا وبكامل اختياره، ودون "إجبار"، بحدود الشرع الحنيف والنظام العام، وبالآداب العامة، وبأنظمة البلد الذي يعيش فيه، وبذلك يصبح مواطنًا (إنسانًا) حرًّا، يمثل بلده أحسن تمثيل، سواء داخل حدود وطنه أو خارجها..

غير أن (البعض) من شباب وشابات (فتيات) وطني، ممن يحلو لهم تسمية أنفسهم متحررين، يسيرون باسم "الحرية" حسب هواهم في طريق خاطئ، فيتحررون فيه من كل القيم والثوابت، إما جاهلين أو ضاربين عرض الحائط بالمسؤولية الواجب عليهم تحملها المصاحبة للحرية الربانية التي يتمتعون بها، وهذا – للأسف الشديد - ما نراه في بعض النشاطات والفعاليات (المهرجانات) الفنية، الثقافية، الإعلامية والشعرية.. التي تنظَّم وتُقام هنا وهناك على المستويَيْن الدولي (العربي) والعالمي (الغربي)، والتي يشاركون ويمثلون فيها بمظاهر لا تليق بتاتًا بمثل هذه النشاطات والفعاليات الثقافية التي تلقى اهتمامًا عربيًّا وعالميًّا؛ فظهورهم بتلك المظاهر لا علاقة له لا بديننا الحنيف، ولا بوطنيتنا وهويتنا السعودية، لا من قريب ولا من بعيد؟!!

ونحن لا نرى لذلك معنى آخر غير رغبة هؤلاء في التمرد على هويتنا السعودية العربية الإسلامية التي نتباهى بها، ولا نستحي بالظهور بها؛ لأنها مصدر افتخارنا وشموخنا، بل نشعر "بالزهو" أثناء ارتدائها في المحافل الدولية والعالمية. وهذه "الهوية" تعتبر من "مقدساتنا" السعودية الوطنية؛ لذا لا يحق لهؤلاء المساس بمقدساتنا؛ لأن هناك تناقضًا صارخًا بين مبادئ مملكتنا السامية التي يفخر بها كل سعودي وسعودية، ومظاهر هؤلاء التي لا تمثل هذه المبادئ إطلاقًا، خاصة أن الكل يعلم أن مملكتنا دولة عربية مسلمة متمسكة بمبادئ دينها وتقاليدها وأعرافها العريقة الأصيلة، وتسهر كل السهر على خدمة الحرمين الشريفين، وتتشرف بذلك، أحب من أحب، وكره من كره.. ولباسنا الرسمي "الديني" المتمثل في العباءة والحجاب الشرعي (للنساء)، والثوب و(الغترة أو الشماغ) والعقال (للرجال)، يمثل هويتنا، ونحن نرتديه في المحافل الرسمية المحلية، ومعظم المحافل الدولية بكل فخر واعتزاز؛ لذا نحن لا نسمح لأي كان مهما كانت توجهاته الفكرية و"الأيديولوجية" بأن يتخطى حدود حريته المزعومة، والسماح لنفسه بالتمادي في ممارستها بإلحاق الأذى بمقدسات هويتنا السعودية العربية المسلمة التي نفخر ونعتز ونتشرف بها كثيرًا.

إن التطور الحقيقي و"الحرية" التي تستحق التوقير هي التي لا تنحي الإنسان عن أن يتحلى بالأخلاق في ظل كل الفوضى الناسجة على العالم اليوم. إن "الحرية" بريئة ممن يدعون أنهم يتمتعون بها وهم لا يكفون عن الارتطام بمسارح الآخرين؟!!.. ما نطالب به من الالتزام بالقيم العليا والتمسك بتعاليم الإسلام الحنيف ليس دليل انعدام الحرية وافتقارنا إليها، بل دليل المثل العليا التي يتسم بها مجتمعنا. فهناك فَرق كبير بين الحرية الشخصية وأن تتعرض للمقدسات.. على كل إنسان التسليم بالأساسات القوية والساطعة عبر نفوس معتنقيها.. نحن منحنا العقل؛ لذا فإننا موهوبون بالفطرة لمعرفة الخير والشر. كما لدينا قدرة الحكم على أعمال الأشخاص غير المقبولة.. إذن من الواجب أن يمتلك الإنسان "الحرية" الكافية لكي يختبر وينتقد ويعرف ويبتكر، لا لكي يصير أكثر شجاعة في التوجه إلى سلوك أولئك المصرين على أنهم الأصلح، فيعطون بذلك أنفسهم الضوء الأخضر للتعدي على ما لا يتفقون معه بطريقة خالية من كل المثل العليا.

أخيرًا.. إن أشد ما يخيفنا هو الدعوة إلى الانفتاح نحو الحضارة الغربية الحديثة التي تنشد الحرية والانطلاق؛ فنصل إلى ما لا تحمد عقباه من انفلات للوضع، وانتهاك للحرمات والحريات باسم "الحرية"!! بل أشد ما يخيفنا هو الوصول إلى أخطر درجات الانحلال باسم الحرية "اللامحدودة" التي يتبناها (البعض)، ويدعو إليها.. وعلى هذا الأساس نحن نقولها لهم بعبارة صريحة، لا غبار عليها: "الحرية هبة مقدسة.. فرجاء أحسنوا استعمالها، ولا تدنسوها باسم حريتكم المزعومة"؟!!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org