يؤثر الفساد بطريقة سلبية على الاقتصاد والاستثمار بإعاقة عملية التنمية، وإحباط جهود الدول، فضلاً عن كونه إهدارًا للموارد المالية؛ فبدلاً من توجيهها إلى خدمات ملموسة للمواطنين تتحول إلى جيوب الفاسدين، وأرصدتهم البنكية. كما أن الفساد يُدمِّر سمعة البلدان دوليًّا، ويُعيق المستثمرين عن ممارسة أعمالهم، ويساهم في هروب رؤوس الأموال للخارج، وعزوف المستثمرين الدوليين عن الاستثمار في الداخل؛ بسبب البيروقراطية والرشاوى والفساد المالي والإداري بأشكاله كافة.
فالفساد آفة خطيرة؛ تحتاج إلى اقتلاعها من جذورها، وذلك ما تدركه السعودية وقيادتها الرشيدة؛ فخطت خطوات كبيرة وملموسة في تعزيز النزاهة، ومحاربة الفساد، والقضاء على أشكاله كافة.. فأولت كل إمكاناتها لاقتلاعه؛ فأصبح نهجًا متأصلاً مدعومًا برؤية 2030 التي تعده أحد أهم مرتكزاتها.
تلك التجربة السعودية الرائدة في مكافحة الفساد، التي مكَّنتها من احتلال مرتبة متقدمة، هي المرتبة الـ52 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021، تحاول الرياض تعميمها؛ لتنسحب على دول منظمة التعاون الإسلامي، وتَمثَّل ذلك في إقرار (اتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي للتعاون في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد)، وذلك خلال الاجتماع الوزاري بمبادرة من السعودية، بمشاركة رفيعة المستوى من الوزراء المعنيين بجهات إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، وكذلك بمشاركة من رؤساء المنظمات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد، مثل منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول)، ومجموعة إيغمونت لوحدات الاستخبارات المالية، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
تمثل "اتفاقية مكة" الإطار الملائم الأهم لمنع الفساد، ومحاربته في الدول الأعضاء في المنظمة، من خلال آليات فعَّالة للمنع، وإنفاذ القانون، والتعاون الدولي، واسترداد الأصول.. مشيرًا إلى أن الدول الأعضاء بحاجة لآليات قانونية، تساعد في تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة لتكريس أسس الحوكمة الرشيدة.
كما تؤسس للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي للتعاون في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد؛ لبناء مرحلة جديدة، سوف تدعم جهود المجتمع الإسلامي في مجال مكافحة الفساد؛ لتحقيق مزيد من الازدهار لمجتمعاتنا الإسلامية.
وبحسب ما صرح به مازن الكهموس، رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة"، فقد جاء إقرار الاتفاقية بمبادرة من السعودية؛ لتأسيس مرحلة جديدة لمكافحة الفساد على المستويَين الإقليمي والدولي، من خلال توفير إطار قانوني لتبادل المعلومات، وملاحقة المتورطين في الفساد بشكل مباشر وسريع بين سلطات مكافحة الفساد في دول منظمة التعاون الإسلامي.
وأكد الكهموس في تصريح إلى قناة "الإخبارية" أن الإقرار يهدف إلى تيسير الكشف عن جرائم الفساد، والتحقيق فيها، واسترداد الموجودات العامة المسروقة، وإعادتها إلى بلدانها الأصلية.
وتعكس الاتفاقية إدراك الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، بوصفها ثاني أكبر تجمُّع دولي بعد الأمم المتحدة، أن الفساد من الجرائم العابرة للحدود؛ ومن ثَمَّ لا يمكن مكافحته بفاعلية دون التزام الدول بالتعاون فيما بينها؛ وذلك بهدف الكشف عنه، والحد من الملاذات الآمنة للفاسدين وأموالهم، وإعادة الأموال المنهوبة إلى بلدانها الأصلية، وفقًا لرئيس "نزاهة".