التظاهرات الثقافية بأنشطتها المتنوعة وتفاصيلها المثيرة عنوان لانفتاح الشعوب على الآخر. ويُقاس أثر ذلك الانفتاح بحجم التفاعل مع تلك التظاهرات، وليس بحجم تغطياتها الإعلامية. وتشهد الرياض هذه الأيام تظاهرة ثقافية كبيرة، تعكس حجم التنظيم ودراسة الجمهور، هي معرض الرياض الدولي للكتاب.
فمذ أن انطلق معرض الرياض الدولي للكتاب في عام 2007 كتظاهرة تشرف عليها وزارة الإعلام وأنا أحرص على زيارة المعرض في كل عام، خاصة مع تطوره وازدهاره في كل عام، ولاسيما أن المعرض يسعى في كل عام إلى احتضان الكثير من الفعاليات المتنوعة، إضافة لأحدث الإصدارات، مع توفير الكتب التي لم تكن لتتوافر في مكان واحد لولا وجوده. وما يلفت الانتباه في المعرض كل عام هو انعكاس للتغيير الثقافي والاجتماعي في المجتمع؛ فالملاحظ لما يحدث سيدرك ما أعنيه؛ إذ نلاحظ التغيير في نوعية الكتب المعروضة والمستهلكة باختلاف فئات الزوار، والحضور الكثيف للفئات العمرية المختلفة، مع التغير في شكل اللباس بالنسبة للجنسين.. إلخ. جميع تلك الأمور اللافتة تعكس تحولات ثقافية واجتماعية جديرة بالدراسة والاهتمام.
كما أنه من اللافت في معرض هذا العام تحوُّل أرض المعرض لمدينة صغيرة، تلبي احتياجات الفرد المختلفة؛ فهذا التحول الكبير في أرض المعرض يبرز اهتمام المسؤول بالتفاصيل، وإدراكه لحجم التظاهرة، وما يجب أن تكون عليه، وما يسعى المسؤول إلى إيجاده لتلبية حاجات أكبر شريحة من الناس.
وبغض النظر عن ضخامة المعرض، وتنوُّع فعالياته، وانتشارها، إلا أن بعض الباحثين عن كتاب ثمين، أو الراغبين باقتناء كتب من المعرض، ما زالوا ينتظرون توصيات من الآخرين، وهذا –بظني- أسوأ ما يمكن أن يفعله المرء مع نفسه؛ إذ يؤطرها في حدود إمكانات الآخرين، لا في حدود حقيقتها؛ وهذا ما سيجلب له البؤس لاحقًا؛ إذ سيجد صعوبة في القراءة أو الاطلاع أو الانسجام مع محتوى الكتب المقترحة؛ فلا أعلم من المرء بنفسه إلا نفسه، ولا أدرى بماهية ما يستهويه إلا عقله؛ فلا تثقل على نفسك بفرض ما يقترحه الآخرون عليها، ولا تسمح لأي تظاهرة مهما كان جمالها بأن تسلب منك ذاتك.