لم تكن محاولة اللص التركي البائسة لسرقة بعض الآثار الكائنة في معرض عمارة الحرمين الشريفين إلا امتدادًا لنهج انتهجته بلاده منذ نشأتها، وسيرًا على خطى السرقات والجرائم التاريخية التي قامت بها العصابة العثمانية في بلاد الحرمين، وغيرها من البلدان العربية، واتساقًا مع طريقة تفكير الرئيس التركي والطبقة الحاكمة هناك، الذين يتفاخرون بسرقة المقتنيات والآثار الإسلامية من البلدان العربية باعتبارها عملاً يقربهم إلى الله، ويروجون لها سياحيًّا.
ولم يكتفِ العثمانيون بجرائمهم في قتل وتشريد أهل البلدان التي غزوها، بل وصل بهم الأمر إلى مد أيديهم إلى الحجرة النبوية والآثار الإسلامية في بلاد الحرمين، وحرمان ملايين المسلمين الذين يزورون السعودية سنويًّا للحج والعمرة من مطالعة حضارتهم وتاريخهم وإرثهم الإسلامي العظيم.
ويذخر التاريخ التركي العثماني بأعمال وحالات سرقة تاريخية للآثار الإسلامية، بعضها استند إلى قصص خيالية، أباحت لهم أفعالهم الشنعاء، وأخرى بفتاوى تحت التهديد.
مقتنيات الحجرة النبوية
مرَّ أكثر من 100 عام على سرقة الأتراك مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة بدعوة حمايتها أثناء الحرب العالمية الأولى، وما زالت حتى الآن تقبع في متاحفهم في إسطنبول. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها قبل 100 عام ونيف انتظر المسلمون أن تعيد تركيا، التي لطالما تشدقت بحماية المسلمين، المقتنيات مرة أخرى إلى حيث تنتمي في المدينة المنورة، خاصة بعد زوال الخطر الذي اصطنعوه، إلا أن الأتراك أبوا أن يعيدوها، وقاموا باستغلالها والترويج لها سياحيًّا!
وترجع أحداث القصة إلى عام 1917م، حينما ذهب فخري باشا إلى شيخ الحرم النبوي زيور بك، وأجبره على إصدار فتوى تجيز نقل الأمانات النبوية إلى إسطنبول بهدف ترميمها، على أن يعيدها إلى المدينة مرة أخرى.
وبحسب ما أروده موقع "عثمنلي"، فقد اقترح فخري باشا على السلطان العثماني الاستيلاء على الأمانات الشريفة، ووافقت إسطنبول على طلبه؛ فسرق كل الآثار والهدايا التي أُهديت لحجرة النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- على مدار 1300 عام دون أن يستثني شيئًا، وتولى نقلها عبر ما عُرف بـ"قطار الأمانات المقدسة" عام 1917، ورافقتها حراسة مكونة من ألفَي جندي تركي.
ووفق المصادر التاريخية، أخرج فخري باشا من الحجرة 14 صندوقًا محملة باللؤلؤ والمشغولات الذهبية والفضية. ولم يكتفِ بذلك، بل جاء إلى المكتبة المحمودية، ووضعها كلها في صناديق، وأرسلها إلى دمشق بالشام، ووضع الكتب الثمينة في أحد الحمامات، وفاض عليها نهر بردى ذات مرة فضاعت كلها.
وبدلاً من أن يعتذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن جريمة أجداده فوجئ الجميع بتصريحاته قبل نحو عامين بفخره بسرقة أجداده مقتنيات الحجرة النبوية، معتبرًا إياه عملاً مقدسًا، يتقربون به إلى الله زلفى، وأن تلك الآثار جزء من إرث الدولة العثمانية التاريخي.
ولاقت تصريحات "أردوغان" حينذاك معارضة شديدة في الأوساط العربية؛ فكتب الكاتب السعودي خالد عباس طاشكندي ردًّا على الرئيس التركي في مقال بعنوان "حقيقة فخر أردوغان"، جاء فيه أن والي المدينة التركي: "أخذ معه الآلاف من مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة الثمينة، ومن بينها جوهرة الكوكب الدري والبردة النبوية، ومصحف سيدنا عثمان بن عفان، إضافة إلى محتويات مكتبتَي عارف حكمت والمحمودية من مخطوطات نادرة". وعلق "طاشكندي" بأن: "ما نهبوه في متحف طوب قابي في إسطنبول شاهد على إنجازات جد أردوغان".
جامع "صوقللو محمد باشا" وجريمة الحجر الأسود
ويقف جامع "صوقللو محمد باشا" شاهدًا على جريمة العثمانيين، وسرقتهم الحجر الأسود؛ إذ قد لا يعرف البعض أن هناك 6 قطع من الحجر الأسود الذي يزين الكعبة المشرفة نُقلت إلى تركيا في عهد الدولة العثمانية. وعلى الرغم من أن ذلك الحجر الذي يبدأ عنده الطواف، وينتهي إليه، ويجله المسلمون لتقبيل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إياه، كان جزءًا من الكعبة منذ تاريخها الأول، إلا أن العثمانيين سلبوا بعض قطعه استنادًا إلى قصة خيالية.
وتقول الروايات التاريخية إنه تم نقل القطع الست المسلوبة من الحجر الأسود في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني عقب أمطار هادرة ضربت مكة، وتسببت في انفصال الحجر عن الكعبة. وبدلاً من إعادة تثبيت كامل الحجر مرة أخرى على الكعبة قرر السلطان الاحتفاظ بست قطع منه لبلاده، ونقلها إلى إسطنبول!
وبعد وصول قطع الحجر إلى المدينة التركية الشهيرة قام المعماري الشهير "معمار سنان" بتركيب 4 قطع منها في جامع "صوقوللو محمد باشا"، وهو الرجل الذي كان يتولى منصب الصدر الأعظم في عهد السلطان سليم الثاني، وتزوج من ابنته السلطانة أسمهان التي أشرفت على بناء الجامع المذكور، وأهدته إلى زوجها عام 1571م.
وأحيطت هذه القطع بإطار من الذهب، وتوجد واحدة منها بين الأحجار المرمرية التي تعلو باب دخول المسجد، وأخرى في القسم العلوي للمحراب، والثالثة فوق باب الدخول للمنبر، أما الرابعة فمكانها أسفل قبة المنبر. فيما وُضعت القطعة الخامسة في ضريح السلطان العثماني "سليمان القانوني"، بينما وضعت القطعة السادسة في مسجد (أسكى) بـ(أديرنا) استنادًا إلى قصة خيالية، لا يمكن إثباتها، تقول إنه حينما دهمت الأمطار الكعبة، وبينما يفكر أمير الكعبة في وضع الأحجار بأي شكل في مكانها على جدار الكعبة، غلبه النوم، ورأى في منامه الرسول الكريم يقول للأمير إنه سيكون هناك مسجد في ديار الروم، وإن عليه أن يرسل هذه القطع إلى هناك. وبناء على هذا ترسل القطعة إلى مسجد (أسكى) في (أديرنا). وبحسب الرواية الخيالية، فقد كان المسجد يتقدم بناؤه ببطء شديد، وبعد وضع القطعة الحجرية على جدار المسجد تم الانتهاء من بنائه في مدة قصيرة.
سرقة الآثار السورية
ولم تتوقف السرقات التركية عند حدود الآثار الإسلامية ببلاد الحرمين والجزيرة العربية، كما لم تقتصر على عصر ما قبل تركيا الحديثة؛ إذ نقلت وسائل الإعلام على نطاق واسع عن المدير العام للآثار والمتاحف بسوريا قوله إنه تم تهريب 100 ألف قطعة أثرية من سوريا خلال السنوات الأخيرة عبر لصوص وعصابات تهريب تركية، برعاية من الجيش التركي الذي يحتل مناطق واسعة من الشمال السوري، ويحمي عمليات التنقيب عن الآثار في المناطق التي تخضع لسيطرته.
وأشار المسؤول السوري إلى أن الاعتداءات التركية تجري في معظم مواقع عفرين الأثرية المسجلة على قائمة التراث الوطني، ومن بينها "تل برج عبدالو" و"تل عيندارة" و"تل جنديرس" و"موقع النبي هوري".
وكشف عن وجود نحو 25 ألف قطعة أثرية سورية مهربة لتركيا، لم يتم إعادتها إلى الآن.