عند الحديث عن يوم التأسيس لوطننا الغالي يأخذ الحديث مسارَيْن:
أولاً: العمق التاريخي
إذ إن التأسيس حدث قبل ثلاثة قرون؛ فرسم ملامح الدولة السعودية، وأرسى أركان البنيان الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- وذلك في عام 1139 هجريًّا، في وقت كانت فيه شبه الجزيرة العربية تعاني الفُرقة والتشتت والعزلة بسبب خروج العاصمة الإسلامية من مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى دمشق، ثم بغداد وصولاً إلى القاهرة، فعاشت الجزيرة العربية التهميش، وزاد على ذلك في الحِقب الأخيرة النفوذ الأجنبي على البلدان العربية، وكان لتلك الأسباب أثرٌ كبير على سكان الجزيرة؛ وهو ما أدى إلى ظهور عشائر صغيرة متنافرة متناحرة، تسعى طلبًا للماء وبحثًا عن الكلأ، إلا أن للتاريخ صُنّاع بما وهبهم الله من رؤية ثاقبة، وحكمة بالغة، وحصافة في الرأي؛ ليتمكن هؤلاء من إعادة الحياة الاجتماعية إلى ألقها ومجدها في منظومة بناء وازدهار. ومن بين هؤلاء الإمام محمد بن سعود الذي أسس دولته على ركائز راسخة، وأُسس ثابتة، قوامها الدين الإسلامي، والأخلاق والقيم العربية، وتحققت له وحدة البلادة واستقرارها وأمنها؛ ليواصل أمراء الدولة السعودية في جميع عصورها النهج ذاته باتخاذهم الإسلام دينًا، والشريعة دستورًا؛ لتمتد في مساحة جغرافية واسعة من عمان شرقًا حتى البحر الأحمر غربًا، ومن العراق والشام شمالاً حتى حضرموت جنوبًا. هذا الاتساع الجغرافي جاء عن قناعة تامة من سكان شبه الجزيرة بحكامهم من آل سعود، الذين اتخذوا الدين الإسلامي جوهر حياة؛ ليأتي من يزيد البنيان علوًّا، والوطن رفعة، ذلكم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- الذي وحَّد البلاد في عام 1351 هجريًّا تحت اسم المملكة العربية السعودية؛ لتكون هامة العرب ومركز ثقلها السياسي والاجتماعي.
ثانيًا: العمق الديني
يعزز هذا الكيان العظيم موقعه الجغرافي الاستراتيجي بين قارات العالم الثلاث ومكانته الدينية؛ إذ توجد الأماكن المقدسة "مكة المكرمة" التي انبثقت منها الدعوة الإسلامية؛ لتشع في أركان الدنيا، ولتتخذ الدولة السعودية في جميع مراحلها الشريعة الإسلامية دستورًا؛ لتستمر رائدة في نهجها؛ وهو ما حقَّق لها المكانتَيْن السياسية والاقتصادية اللتين تليقان بمكانتها وتاريخها وعروبتها، وأصالة شعبها، وعدالة حكامها.
يوم التأسيس يزيد الشعب السعودي بهجة وافتخارًا لعراقة دولتهم، وامتدادها التاريخي، وثقلها السياسي، ومكانتها الدينية. ويمكن القول إن مسيرة ملحمية امتدت عبر التاريخ الطويل؛ ليشكل الوطن الذي نعيشه وننعم بخيراته، ولاسيما أن حكامنا -حفظهم الله- حافظوا عليه، ورفعوا البنيان.. فالملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، شيخ المؤرخين العارف بأهمية التاريخ، أدرك بحنكته الصائبة ورؤيته العميقة أن إيضاح التاريخ مطلب جوهري؛ ليعرف الجميع أهمية ومكانة وطنهم، ويقف سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين -حفظه الله- عونًا لأبيه بحنكته، وبُعد نظره، وحرصه وطموحه إلى أن يصل بوطننا عنان السماء تقدمًا ومكانة، يليقان به؛ ليرتقي عاليًا وصولاً إلى مصاف الدول المتقدمة؛ ليكون للوطن الدور الطليعي عربيًّا وعالميًّا.