خيال المآتة أو (الفزاعة) هي دمية على شكل إنسان، مصنوعة من القش المخبأ في ثياب. كان المصريون القدامى يستخدمونها لإخافة الطيور، وحماية الحقول الزراعية منها، ثم قلد اليابانيون الفكرة من خلال تعليق بقايا القطط الميتة؛ لتنبعث منها رائحة كريهة، تُبعد الطيور عن المحاصيل، ثم طوَّر الألمان الفكرة بتشييد تمثال على هيئة (ساحرة شريرة) من الخشب، حتى جاءت الشركات الأهلية السعودية لتبتكر فكرة استخدام (الإنسان نفسه) كفزاعة (السعودة الوهمية) لتضليل مفتشي مكتب العمل، وإبعادهم عن حقول ومحاصيل العمالة الوافدة!!
الحكومة منذ ما يقارب نصف قرن وهي تسنُّ موادَّ قانونية صريحة، تدعم التوطين بنظام العمل، ولو طُبّقت لاحتفلنا منذ سنين بآخر سعودي عاطل، لكن القطاع الخاص يسير عكس عجلة التقدم؛ إذ يسهم بتحيزه للعمالة الوافدة، وتهربه من توظيف أبناء البلد، في إجهاض خطط التنمية والتوطين، وتصاعُد معدلات البطالة، وازدهار نشاط السوق السوداء للسعودة الوهمية!!
فزاعة (السعودة الوهمية) التي تنتهجها بعض الشركات الأهلية يُفترض أن لا تنطلي حيلتها على مفتشي مكتب العمل؛ لأنهم على قدر عالٍ من الذكاء والفطنة، وقبل ذلك الصلاحية الكاملة للدخول لأي منشأة في أي وقت، والتفتيش دون إذن، وبكل الأقسام؛ لهذا يفترض عدم الاكتفاء بالبيانات الإلكترونية التي يتم تقديمها من قِبل الشركات الأهلية، سواء ببرنامج قياس نِسب التوطين (نطاقات)، أو ببرنامج (حماية الأجور)، بل تعقُّب أي شكوى أو شكوك تتبادر إلى وزارة الموارد البشرية بشكل فوري وصارم من خلال عمل حملة تفتيشية، تميط الثياب والأشمغة المستعارة عن تلك النفوس الضعيفة التي تصوِّر السعودة بخلاف الواقع؛ لتتم محاكمتهم، والتشهير بهم بكل الوسائل الإعلامية!!
السعودة الوهمية يمكن أن تتم من خلال عدم رفع أسماء المواطنين الذين تم إنهاء خدماتهم من مسيّرات عمال الشركة لتجنب الوصول للنطاق الأحمر، أو يكون ذلك بالاتفاق بين الشركة وبعض البنات أو الشباب السعوديين، ومنحهم مكافأة وهم جالسون ببيوتهم مقابل الاستفادة من أسمائهم للحفاظ على نسبة السعودة من جهة، ومن جهة أخرى للاستفادة من دعم صندوق الموارد البشرية. كما يمكن أن تتم السعودة الوهمية أيضًا - وإن كانت بحدود ضيقة - من خلال قيام بعض المؤسسات الفردية أو المدارس الأهلية أو الشركات الأجنبية بتوجيه العاملين غير السعوديين، خاصة (المواليد)، بالحفاظ على الزي السعودي خلال ساعات الدوام الرسمي كنوع من التمويه!!
الكارثة أنه حتى مع (السعودة الوهمية) ظلت أعداد السعوديين العاملين بالقطاع الخاص أدنى من المليونين مقابل أكثر من سبعة ملايين عامل غير سعودي بالقطاع الخاص. الكارثة أن نسبة السعودة التي قررها النظام لا تقل عن 75 %، ولا تزيد نسبة الأجانب على 25 %، لكن الواقع حتى مع (السعودة الوهمية) ظل عكس ذلك تمامًا؛ إذ لم تتعدَّ نسبة السعودة 23 %، بينما بلغت نسبة الأجانب 77 %. والكارثة الأكثر مرارة أنه حتى مع (السعودة الوهمية) يظهر العمل وكأنه حق للأجنبي، لا يجوز للمواطن شغله، مع أن النظام الذي سنَّته الحكومة منذ نصف قرن تقريبًا نص صراحة بأن العمل حق للمواطن، لا يجوز لغيره شغله إلا بعد توافر الشروط المطلوبة!!
لهذا يجب الضرب بيد من حديد، ليس فقط على القطاع الخاص، بل حتى على أولئك البنات والشباب الذين ارتضوا تضليل الحقائق بقبولهم مكافأة مقطوعة، لا تتعدى 1500 ريال، للاستفادة من بياناتهم في (السعودة الوهمية). وإذا كان تقديم تقرير طبي كاذب لجهة العمل للهرب من غياب يوم يكيَّف على أنه تزوير، وتصل عقوبته للسجن سنة وغرامة 100 ألف، فإن الأولى شن حملة لتصحيح أوضاع (السعودة الوهمية)، ومنحهم مهلة 3 أشهر، وإلا سيتم محاسبة كل متورط وفق النظام الجزائي للتزوير، حينها فقط ستنكشف حقول ومحاصيل العمالة الوافدة المستوردة، وتظهر نسبة السعودة الحقيقية؛ ليبدأ معها التوطين الفعلي، وتنتهي بذلك أسطورة (خيال البطالة)؛ لننتظر ظهور الفزعة بفكرة وشكل جديد بأي من الدول البعيدة عنا!!