دعا الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين الثقافات وأتباع الأديان فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، إلى تفعيل دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية لمساندة صانعي السياسات في تعزيز التعايش واحترام التنوع وقبول التعددية وترسيخ المواطنة الشاملة والتصدي لتهديدات التعايش السلمي والتسامح من قبل الجماعات المتطرفة بين مختلف الطوائف الدينية والعرقية في العالم.
وشدد "ابن معمر" على ضرورة أن تسهم المؤسسات الدينية في مجتمعاتها المحلية لتعزيز ثقافة المواطنة المشتركة، كما دعا إلى الاستفادة القصوى من المعتدلين ضمن الأغلبية الصامتة من الذين يمتلكون القدرات والإمكانات الكبيرة في مكافحة خطاب التطرف تحت مظلة المواطنة المشتركة.
كما أكد أن الحوار يرسخ للمبادئ والقيم الإنسانية المشتركة مثل: الرحمة والاحترام والتسامح والإحسان والسلم والتماسك الاجتماعي.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها "ابن معمر" في الملتقى الإقليمي حول "التربية على المواطنة والقيم الإنسانية المشتركة: من النظرية إلى التطبيق" الذي نظمه مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، ومركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم بالتعاون مع مكتب التربية العربي لدول الخليج الذي يعقد خلال الفترة ما بين 27-28 جمادى الأولى 1441هـ الموافق 22-23 يناير 2020م.
وأكد "ابن معمر" ضرورة دعم مسار غرس الثقافة العالمية المشتركة التي تدعو إليها منظمة اليونسكو لتعليم مفهوم المواطنة المشتركة في أذهان الناشئة دونما اشتراط لتخصيص وقت محدد لها أو تدريسها كمادة مستقلة، ولكن بدمج قيمها ومبادئها وأدبياتها ضمن النشاطات التربوية والتعليمية الصفية وغير الصفية في مؤسساتنا التعليمية.
وقال: ديننا الإسلامي أعطى أول دستور يرسخ فكرة المواطنة وحرية الأديان في العالم، حيث تضمنت وثيقة المدينة المنورة دستوراً شاملاً للعيش مع المكونات الدينية المتنوعة من خلال حرية الاعتقاد وممارسة شعائره وتعزيز قيم التعايش والإنصاف والأمن والسلام، متمثلاً كذلك بدعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نصارى نجران للحوار، وإنزالهم بالمسجد النبوي؛ ليقيموا فيه، وكتابته عهد أمان لهم، وكذا استلهام بنود العهدة العمرية التي كتبها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأهل إيلياء وأمّنهم فيها على كنائسهم وممتلكاتهم، وتعد من أهم الوثائق وأقدمها التي تنظم العلاقات بين أتباع الأديان، وتتضح فيها إنسانية المسلمين ومعرفتهم لقيمة المقدسات وحفاظهم على آثار الحضارات واحترامهم لجميع الأمم والملل.
وأضاف: شعوب العالم اليوم تتواصل وتترابط بشكل متسارع مع بعضها البعض جغرافياً وتقنياً، بعدما تخطى وعيها العالمي والإنساني الأطر والمسارات الرسمية وابتكر أنماطاً من التواصل والتفاهم والتعاون الذي لا يعترف بأي حدود من خلال الحوار وتطورات التقنية؛ انطلاقاً من المصالح العامة والمصير المشترك، مع بيئات متنوعة ومتباينة ومتعددة الأديان والثقافات والأعراق لتؤكد ضرورة العيش في ظل المواطنة المشتركة.
واستعرض تجربة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات منذ تأسيسه في مجال المواطنة المحلية والعالمية المشتركة حيث شكل هذا المجال أحد المبادرات الرئيسة لبرامج ومنصات سواء في مناطق تركيزه في أوروبا أم المنطقة العربية أم آسيا أم أفريقيا التي تعاني من الاختلافات والنزاعات والصراعات الدينية أو المذهبية والعرقية وخصوصاً ما يهدد العيش المشترك واحترام التنوع وقبول التعددية والمواطنة المشتركة، وأن المركز يؤمن كغيره من المنظمات العالمية بقيم المواطنة المشتركة القائمة على المعايير العالمية، وإسهامها في الإعداد السليم للأجيال الناشئة.
وقال "ابن معمر": لقد أثبت عمل مركزنا أنه ليس من المناسب دائماً تصوير أولئك الذين ينتمون إلى أديان أو مذاهب أو أعراق مختلفة على أنهم "أقليات" بحاجة إلى حماية من مجتمعاتهم، وإنما مكونات مجتمعية متنوعة لها حقوق المواطنة كاملة، ولها حق ممارسة أدوارها الفعالة باعتبارها مكوناً رئيساً في مجتمعاتها، بغضّ النظر عن هوياتها المتنوعة دينياً أو مذهبياً أو عرقياً، ويجب استنهاض كل الهمم والتوجهات الدينية والسياسية والتعليمية والقانونية لحماية ذلك.
وأضاف: المواطنة المشتركة شكلت المبدأ الرئيس الذي تستند إليه جميع مبادرات ومشاورات منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي وتعزيز المشاريع المشتركة بينهم لتجاوز الحواجز النفسية وبناء الثقة وتهيئة المجتمعات المتنوعة للعمل معاً لترسيخ قيم العيش في ظل المواطنة المشتركة.
وكان "ابن معمر" قد استهلّ كلمته بتهنئة الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ وزير التعليم رئيس مجلس إدارة مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم على إقامة هذا الملتقى الإقليمي حول التربية على المواطنة العالمية والقيم الإنسانية المشتركة واستثمار برامج ومبادرات مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم في المملكة العربية السعودية لإدراج التعليم ضمن أهداف التنمية المستدامة، وصولاً إلى تعليم يلبي متطلبات القرن الواحد والعشرين من خلال تمكين المتعلمين من تبني القيم العالمية المشتركة.
وأوضح أن من بين هذه القيم "التعايش واحترام التنوع وقبول التعددية وترسيخ المواطنة المشتركة"؛ للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، اتساقاً مع الجهود التي تقودها اليونسكو في حقل أجندة التعليم 2030م وهو ما تضمنته من غايات الهدف الرابع من أهداف خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة حول التعليم، والتي تناشد الدول للتأكد من أن كل الدارسين قد تم تزويدهم بالمعرفة والمهارات، واستدامة التعليم وأساليب الحياة، والمواطنة العالمية وحماية التنوع الثقافي في التنمية المستدامة؛ لكونها معززة لمفهوم التعليم الذي يساعد على بناء عالم تسوده ثقافة السلام والاستدامة.
وأشار إلى أهمية تعزيز المعرفة والمهارات والقيم التي تمكّن الأفراد والمجتمعات من اتخاذ قرارات واعية، وبناء دور فاعل على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.