كثيرًا ما يبحث البعض، سواء المحامين أو المتقاضين، عن قضايا مشابهة لقضاياهم المنظورة في المحاكم، وأحكامها، وإلى أين انتهت تلك القضايا السابقة؛ ما يمنحهم فكرة مبدئية هامة عن مصير قضاياهم ونتائجها مسبقًا.
وذلك البحث عن تلك الأحكام والقضايا المشابهة قد يكون أمرًا شاقًّا، وذلك ما فطن إليه شاب سعودي يمتلك خبرة قانونية، فأنشأ مرجعًا بتلك الأحكام والسوابق القضائية على منصة متاحة للجميع بالمجان، وأطلق عليها اسم "أحكام".
المنصة التي تضم أكثر من 20 ألف حكم وسابقة قضائية، أنشأها المستشار القانوني الشاب معجب الدوسري، وتستمدّ تلك البيانات والمعلومات من مدونات الأحكام القضائية المنشورة، وذلك بعد تحليلها وتصنيفها وإعادة هندسة إجراءاتها، وقام على إنشائها.
يقول "الدوسري" لـ"سبق" عن المنصة والهدف منها: "منصة أحكام هي إحدى المبادرات التقنية اللي عملت على تطويرها مؤخرًا، وتهدف إلى تمكين أصحاب المصلحة من الوصول إلى البيانات العدلية المفتوحة بواسطة محرك بحث ذكي يعمل بخوارزميات متقدمة، وتستهدف المواضيع والمفردات المطلوبة خلال ثوان وبدقة متناهية من خلال قاعدة بيانات تحتوي على أكثر من 20 ألف حكم وسابقة قضائية مستمدة من مدونات الأحكام القضائية المنشورة بعد تحليلها وتصنيفها وإعادة هندسة إجراءاتها".
ويهدف الشاب السعودي إلى تسهيل الوصول لتلك الأحكام، وذلك من منطلق أن معرفة المتقاضين للموقف القانوني من النزاع قبل اللجوء إلى المحاكم سيقلل بلا شك من تدفق الدعاوى الغير منتجة قياسًا على قضايا سابقة تحمل نفس السمات والمعطيات؛ على حد تعبيره.
كما يرى "الدوسري" أن المنصة المجانية تواكب التطورات غير المسبوقة في المنظومة العدلية في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين ودعم سمو ولي العهد حفظهما الله، وتعزيزًا للبنية التحتية التقنية في القطاع العدلي.
ودفعت الصعوبات والتحديات التقنية والإجرائية التي تمنع الحصول على الأحكام والسوابق القضائية "الدوسري" إلى إنشاء تلك المنصة؛ إذ يقول: "دفعتني تلك التحديات التقنية والإجرائية إلى إيجاد منصة جامعة لكافة الأحكام والسوابق القضائية تدعم التقنيات الحديثة، وبطريقة إجرائية مبسّطة تسهل على الباحث الوصول إلى الحكم أو السابقة القضائية بكل يسر وسهولة، وتسهم في تعزيز الوعي المجتمعي بالجوانب المعرفية القضائية وبالطريقة التي تتبناها المحاكم في الفصل بالدعاوى، لاسيما أن نشر الأحكام القضائية يعكس سلامة تطبيق المحاكم للأنظمة واللوائح، وتثري الاجتهاد الفقهي المعاصر والمقارن وبما استقر عليه العمل القضائي".
مضيفًا: "كما تمتد أهمية تلك السوابق والأحكام القضائية إلى تعزيز البيئة الاستثمارية في المملكة، ليكون المستثمر على تصور تام بما استقر عليه القضاء السعودي في النزاعات التجارية التي من الممكن أن يكون طرفًا فيها بصفته مدعيًا، أو مدّعى عليه في يوم من الأيام".
ويوضح الشاب السعودي كيفية عمل المنصة واستخدامها، قائلًا: "تعمل المنصة ابتداءً إما باستعراض المستخدم لكافة الأحكام والسوابق القضائية بحسب نوع وتصنيف الحكم، أو من خلال البحث عن المفردات المشابهة لموضوع قضيته، واختيار الحكم الأقرب لبحثه من النتائج الظاهرة أمامه مع إمكانية نسخ النصوص، وتحميل الحكم ومشاركته في مواقع التواصل الاجتماعي".
ويبقى السؤال: ما الفائدة التي ستعود على المجتمع من تلك المنصة؟ وهنا يقول مبتكرها: "ستيسر المنصة على كافة الأفراد سواء كانوا المتقاضين أنفسهم، أو محاميهم، وكذلك منسوبو الإدارات القانونية في المنشآت والجهات الحكومية، بحيث يكون بإمكانهم استقراء واستنباط الأحكام والسوابق القضائية والتنبؤ بالأحداث من وقائع مشابهة في قضايا سابقة، وبحيث يستفاد منها في صياغة اللوائح والمذكرات، وإعداد الدراسات والبحوث القانونية، كذلك تعين القاضي في تجويد واستقرار الأحكام الصادرة والحد من الاجتهادات المتباينة وحفظ الوقت والجهد المبذول من الدائرة القضائية عند دراسة دعاوى مماثلة سبق الفصل فيها، وهذا بلا شك سيؤدي إلى تقليص لأمد التقاضي وتحقيق مبدأ العدالة الناجزة".
ويردف: "كما أنها ترفع من مستوى الخبرة والمعرفة بالواقع العملي للطلاب الأكاديميين، والقضاة المبتدئين، والمحامين المتدربين، فضلًا عن أنها تساعد المتقاضين في إيجاد شيء من الطمأنينة لمن يدعي أن له حقًّا فتجعله إما أن يستمر في دعواه أو مطالبته، أو يتوقف عنها".
ويمتلك الدوسري خبرة جيدة في التقنية علاوة على خبرته الكبيرة في القانون؛ إذ سبق له إطلاق العديد من المنصات التقنية، لعل أبرزها منصة المخالفات والغرامات الحكومية "مخالفات"، التي تهدف إلى تفعيل الدور الوقائي لدى الأفراد والشركات، ورفع مستوى الالتزام والامتثال لديهم بأنظمة ولوائح الجهات التنظيمية والرقابية في المملكة.
كما عمل على بوابة التنظيمات السعودية "تنظيمات"، وهو محرك بحث مختص في الأنظمة واللوائح مواكبةً للتطورات التشريعية التي تشهدها المملكة، وكذلك عمل على منصة تقدير التكاليف القضائية "مقدار" لتشجيع المتقاضين على اتخاذ إحدى طرق الصلح والتسوية.