
تجسّد العلاقة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية واقعًا تاريخيًا واجتماعيًا، يؤطرها الرابط الديني والتمازج الأسري، ويجمع الدول الشقيقة رقعة جغرافية شكّلت طابعها الثقافي، وأهداف موحدة ترنو لاستقرار أمنها وازدهارها ورفاهية شعوبها.
ومن هذا المنطلق تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجاء في المادة السابعة من نظامه الأساسي قرار بأن يكون هناك مجلس أعلى وهو السلطة العليا، يتكون من قادة الدول الأعضاء، وتكون رئاسته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول.
وعقد مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ بدء تأسيسه (44) قمة، أكد خلالها القادة تعزيز وتعضيد دور المجلس ومسيرته المباركة نحو الحفاظ على المكتسبات، وتحقيق تطلعات مواطنيه بمزيد من الإنجازات، بفضل حكمة وحنكة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون ورعايتهم هذه المسيرة التي أضحت ركيزة أمن واستقرار وازدهار على المستويين الإقليمي والدولي.
وقد حددت رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله-، التي أقرتها الدورة السادسة والثلاثون في ديسمبر 2015م، أطر تعزيز التكامل بين دول مجلس التعاون، وأولويات العمل الخليجي المشترك، عبر منظومة خليجية راسخة تتسم بالفعالية والكفاءة، وتسهم في الحفاظ على الاستقرار والسلم الإقليمي والعالمي، وتعزيز المكانة الدولية للمجلس، وإنجاز الشـراكات الإستراتيجية والاقتصادية التي تعود بالنفع على مواطني دول الخليج وعلى المنطقة.
وإيماناً برؤية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله-، ودورها المحوري في تحقيق التكامل بين دول المجلس، فقد أسهمت المملكة بشكل فاعل في إنجاح الرئاسة القطرية لأعمال الدورة الـ44 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حرصًا من المملكة على تفعيل الشراكة مع دول الخليج بما يحقق أولويات العمل الخليجي المشترك.
وانسجامًا مع رؤية خادم الحرمين الشريفين، وبدور قيادي من المملكة، عمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تطوير وتعزيز الحوارات والعلاقات والشراكات الإستراتيجية مع كبرى دول العالم، بهدف تعزيز العلاقات معها، وفتح آفاق جديدة لتوسيع مصالح دول الخليج في جميع المجالات، حيث يُجري المجلس حوارات منتظمة مع نحو 16 دولة ومنظمة إقليمية، أبرزها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، والاتحاد الأوروبي، ورابطة دول الآسيان.
وأطلق مجلس التعاون منذ تأسيسه العديد من المشروعات الخليجية المشتركة، لرفد الاقتصاد الخليجي، والإسهام في التنمية المجتمعية، ورفع جودة حياة شعوب دول المجلس، ومن أبرزها مشـروع الربط الكهربائي، والموافقة على إنشاء هيئة السكك الحديدية، لربط الدول الأعضاء، وتسهيل الحركة التجارية وتنقل السكان، وإنشاء شركة المدفوعات الخليجية، والربط بين البنوك المركزية الخليجية، وإنشاء وتطوير المجلس الصحي الخليجي، والمركز الخليجي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، وإصدار القوانين الموحدة المتعلقة بسلامة الأغذية، وغيرها من المشروعات.
وشهد العام الحالي 2024م تطورات مهمة على صعيد الشراكات الدولية لدول مجلس التعاون مع الدول والمنظمات الإقليمية، حيث عُقدت القمة الخليجية الأوروبية الأولى، وعُقدت اجتماعات وزارية وحوارات استراتيجية بين دول المجلس وكل من الولايات المتحدة، وروسيا، والهند، والبرازيل، وتركيا، ودول آسيا الوسطى، إضافة إلى الاجتماع الوزاري غير الرسمي بين وزراء دول الخليج ووزير الخارجية الإيراني.
وتعمل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تعزيز جهودها في تنفيذ قرارات القمة العربية الإسلامية غير العادية التي استضافتها المملكة العربية السعودية والتي جددت الموقف العربي والإسلامي الموحد في التصدي للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة ولبنان، والعمل على إنهاء تداعياته الإنسانية الكارثية على المدنيين، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني، ومواصلة التحرك، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وأطلق على القمة الحادية والأربعين (قمة السلطان قابوس والشيخ صباح) وعقدت أعمالها بمحافظة العُلا في يناير 2021، بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وبرئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله، استكمالًا لمواصلة مسيرة الخير والتعاون وتحقيق المصالح المشتركة، وتعزيز أمن المنطقة واستقرارها.
وأكد بيان القمة التضامن والاستقرار الخليجي والعربي والإسلامي، وتعزيز أواصر الود والتآخي بين دول الخليج العربية وشعوبها بما يخدم آمالها وتطلعاتها.
كما أكد تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس، وتعزيز الدور الإقليمي والدولي للمجلس من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات الإستراتيجية بين مجلس التعاون والدول والمجموعات والمنظمات الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح المشتركة.
وأثبتت (قمة السلطان قابوس والشيخ صباح) ما يوليه قادة دول مجلس التعاون من حرص على تعزيز مكتسبات المجلس، وتحقيق تطلعات المواطن الخليجي، وتذليل كافة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك.
وفي ديسمبر 2021م وتلبية لدعوة كـريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، عقد المجلس الأعلى دورتهُ الثانية والأربعين في الرياض، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-.
وأكد البيان الختامي للمجلس الأعلى حرصه على قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، ورغبته في تحقيق مزيد من التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، بما يحقق تطلعات مواطني دول المجلس، كما أكد وقوف دوله صفًا واحدًا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس، ودعمه الكامل لـ "مبادرة السعودية الخضراء" و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" التي أطلقتهما المملكة العربية السعودية، مثمنًا جهودها ومبادراتها في مواجهة ظاهرة التغير المناخي، ومشيدًا بالدور الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي وجهودها في استضافة أبوظبي COP28 عام 2023م لدعم الجهود الدولية في هذا الإطار.
وثمن المجلس رفع مستوى رئاسة مجلس التنسيق القطري - السعودي إلى مستوى أصحاب السمو، حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، مرحبًا بالنتائج الإيجابية لاجتماع مجلس التنسيق الذي عقد في ديسمبر 2021، لتطوير التعاون الثنائي المشترك بما يعزز التكامل بين البلدين الشقيقين، وأكد المجلس الأعلى مضامين إعلان العُلا الصادر في يناير 2021م.
وتلبية لدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، عقد المجلس الأعلى دورته الثالثة والأربعين في ديسمبر 2022م بالرياض، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-.
وقد صدر عن اجتماع المجلس الأعلى بيان ناقش فيه العديد من الموضوعات والقضايا منها: تأكيد دعمه قرارات مجموعة أوبك+ الهادفة إلى تحقيق التوازن في أسواق النفط، وتعزيز الرخاء والازدهار لشعوب المنطقة والعالم، ودعم النمو الاقتصادي العالمي، كما أكد التنفيذ الكامل والدقيق والمستمر لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي أقرها المجلس الأعلى في دورته الـ (36)، وكلّف الهيئات والمجالس واللجان الوزارية والفنية، والأمانة العامة وكافة أجهزة المجلس بمضاعفة الجهود لاستكمال ما تبقى من خطوات لتنفيذها.
واستكمالًا لمسيرة مجلس التعاون التاريخية الحافلة بالإنجازات والممتدة منذ عقود، تستضيف دولة الكويت اليوم الدورة الخامسة والأربعين اجتماع القادة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.