حذرت هيئة السوق المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة التجارة والاستثمار في حملة توعوية من التعامل مع المواقع الإلكترونية المشبوهة التي تسوق للاستثمار في الأوراق المالية دون حصولها على التراخيص المطلوبة من الجهات ذات الاختصاص، بما فيها نشاط (الفوركس) غير المرخصة والتي تصطاد زبائنها عبر المواقع الإلكترونية من خارج المملكة .
وشددت تلك الجهات في مواقعها الرسمية على ضرورة أخذ الحيطة والحذر من الوقوع في مخاطر الاستثمار، أو المساهمة، أو التعامل، أو التداول في شركات "الفوركس" غير المرخصة، عبر المتاجرة في العملات الأجنبية، منبهة إلى خطورة التعامل مع المواقع الإلكترونية المشبوهة التي قد تنطوي أعمالها على أنشطة غير نظامية، تروج فيها عن فرص استثمارية ووعوداً بتحقيق مكاسب مالية وثراء سريع، من خلال الاتصال الهاتفي المباشر أو من خلال إعلاناتها على شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يعرض العديد من المتعاملين معها إلى عمليات نصب واحتيال وخسائر مادية كبيرة.
وقالت وكالة الأنباء السعودية "واس" إنها استطلعت آراء عدد من المختصين، حيث أكد أستاذ الحوسبة السحابية ومراكز البيانات عضو هيئة تدريس بكلية الحاسب الآلي وتقنية المعلومات، بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز الدكتور فواز بن محمد بن بنيه الحازمي، أن من أكبر المخاطر على المجتمعات المدنية، هي الحملات التسويقية لبرامج الكسب السريع الوهمية، وأشدها ضراوة انتشار الحملات التسويقية لشركات "الفوركس" الوهمية هذه الأيام.
اختراق العقول
وعرّج الدكتور "الحازمي" على طرق استدراج ضحايا خلايا الفوركس التي نشاهد إعلاناتها الوهمية على الفضاء الإلكتروني من خلال (Malvertisement) باستخدام طرق وتقنيات اختراق العقول البشرية، باستخدام تقنية الهندسة الاجتماعية لجمع أكبر عدد ممكن من بياناتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كاشفاً أن تلك الإعلانات الوهمية لشركات "الفوركس" تعتمد على دراسة شاملة تتضمن الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، التي غالباً يتم نشرها من قبل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إن المستخدم لا يعي عواقب ومخاطر نشر تلك المعلومات، مثل مشاركة الحالة اليومية للمستخدم سواء بشكل نصي أو صور شخصية أو مقاطع فيديو، لافتاً إلى أن أغلب الجهات الإرهابية تعتمد اعتماداً كلياً على ما يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يرجع إلى اعتماد المستخدمين على تلك المواقع كوسيلة للتواصل الحديث.
وحذر أستاذ الحوسبة السحابية من كثرة استخدام ونشر الأحداث الشخصية اليومية، الذي يوقع المستخدم ضحية للشركات الوهمية بشكل غير مباشر، وهو ما يشكل إحدى الطرق الحديثة، التي تستغل بيانات العميل كسعلة يتم تقديمها لأي شركة تريد الاستثمار لحصد أكبر عدد ممكن من الضحايا، مؤكداً أن البيانات الرقمية أصبحت خارج إدارة المستخدم، ما يؤدى إلى تسريب معلومات شخصية لعدد كبير من المستخدمين، والوصول إلى أكبر عدد ممكن من البيانات الشخصية، والوصول إلى الفئات المستهدفة.
لماذا السعودية؟
من جانبه أرجع أستاذ إدارة الأعمال بجامعة الطائف، الدكتور جمعان العدواني، انتشار الشركات الوهمية التي تدعي تعاملها بالفوركس من أجل استغلال مواطني دول الخليج وخاصة السعوديين منهم، إلى عدة أسباب، منها: أن الخليجيين لديهم ثروات، ما يعدون من أغنى شعوب العالم، إلى جانب انخفاض مستوى الثقافة الاستثمارية لديهم، الأمر الذي يجعلهم ضحية لمثل هذه الممارسات من قبل هذه الشركات الوهمية.
وقال: "إن مِمَّا لا شك فيه أن طموح بعض الأشخاص إلى الثراء السريع جعل منهم فرائس سهلة لهذه الشركات، فحلم الثراء السريع أو الطمع لدى بعض المواطنين يعد السبب الرئيسي، حيث إنهم لا يفكرون بالمخاطر التي سيكونون عرضة لها، لذلك يجب تكثيف التوعية وحماية المواطنين من هذه الشركات من قبل الجهات المختصة ومنع الممارسات المخالفة التي تجعل من البيئة السعودية بيئة خصبة لمثل هذه الشركات"، مطالباً مؤسسة النقد ووزارة المالية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف التحويلات المشتبه بها ومراقبة كل ما يستجد من وسائل نصب يكون ضحيتها المواطن .
وحمّل الدكتور "العدواني" اللوم والمسؤولية بالاستثمار في هذه القنوات والشركات الوهمية على المواطن، مطالباً أن يكون له وعي استثماري وقانوني وثقافي بهذا الخصوص، فلا ينجرف أمام أوهام وأحلام الثراء السريع والدعايات المضللة والزائفة، والإبلاغ عن هذه الشركات لدى الجهات المختصة؛ حتى لا يقع هو أو غيره في فخ هذه الشركات.
تجارة الوهم
وفي الشأن القانوني وصف المستشار القانوني تركي بن سعد الحارثي، التعامل مع شركات الفوركس بتجارة الوهم؛ لتهربها من القيود المحاسبية التي تنتقص لأصل شروط صحة البيع ما دام أن التقابض لم يتم في مجلس العقد أي وقت الاتصال بالإنترنت؛ لأن هذا النوع يعتمد على التقنية بشكل كبير، وفي أوقات متفاوتة، إضافة إلى ذلك كيف يمكن التأكد من انتفاء الغرر لمثل هذه التعاملات؟
وقال: "كفل القانون ما كفلته الشريعة الغراء من حفظ المال، حيث يتبين لنا جلياً تصدير المال للمجهول، وهذه العملية مبنية على المفقود، وأعني بذكر المجهول انعدام صفة الممثل النظامي؛ لأنها غير واضحة لهذا التداول في حال تعرض المساهم لأي خسارة؛ لما يحيط بها من غموض حتى وإن كانت الشركة وعدت بتحمل المسؤولية أمام المتداول كضمانات وهمية من أجل إنهاء صفقات البيع "، مبيناً أنها تفتقر لأبسط وسائل حفظ الحقوق، إضافة إلى عما قد تتعرض له الشركة من أخطاء، وهذا بطبيعة الحال أمر وارد ومتوقع وفي أضيق الحالات، وهذا يختلف تماماً عما يجري بطرق نظامية لحفظ المتداول وحقه بعين الاعتبار، وخير شاهد لذلك ما يجري في اللجان المصرفية في المملكة العربية السعودية، وهي لجان لها الصفة القضائية، التي بدورها تنظر بعض أخطاء المصارف السعودية، وتحديداً على سبيل المثال عندما يكون الخلاف على القيمة الوقتية لأمر بيع الأسهم، وهذا مع تحقق الإجراءات الصحيحة للتداول، قد يكون أطراف الدعوى فرد وقطاع مصرفي، وما ينتهي إليه ذلك التداول للجلسات أو من جلسة قضائية واحدة، بحيث يكون الناتج النهائي مرضياً للجميع طالما نظرت في قاعة العدالة .
وأضاف: "إن ذلك يستساغ من كل ذلك حكم قضائي بقناعة سواء انتهت في اللجان الابتدائية أو الاستئنافية، بينما التداول المبني للمفقود ما هو وجه المطالبة في حال نتج عن هذا التداول أي خسائر أو خطأ وإن كان غير مقصود؟ وكيف يتم إثباتها؟ وما هي الجهة المطالبة؟ خصوصاً أن المادة 36 من نظام المرافعات الشرعية ذكرت فيما يتعلق بالاختصاص المكاني: "يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها مكان إقامة المدعى عليه"، وتفسير ذلك أن مثل هذا التصنيف من الدعاوى ضد شركة التداول الرقمي للعملات لن ينظر بتاتاً لدى المحاكم السعودية سواء كانت لجاناً قضائية أو لجاناً شبه قضائية؛ لعدم وجود كيان رسمي، أو نظام أو لائحة يتم بموجبها التعامل بكل ثقة، مما يجعل المتداول قد يضطر للبدء في رحلة لدوله الشركة، وما يتكبده من عناء سفر وتكاليف فتصبح خسارتين، وقد يكون الناتج النهائي بدون حصيلة نتيجة التفريط والتهاون بالمال؛ لتعامله المجازف مع هذه الجهات والمفرط أولى بالخسارة ".
الجانب النفسي
وبالنظر إلى الجانب النفسي في التعامل مع شركات "الفوركس" للبحث عن الثراء السريع، أشار أستاذ الإرشاد النفسي المساعد بقسم علم النفس، وكيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية للتطوير بجامعة الملك عبدالعزيز، الدكتور حسن بن محمد الشهري، إلى أن الأمر يتعدى (فوركس) كقضية إلى ما هو أبعد، ألا وهي ظاهرة (الشغف بالمال والثراء السريع) وشركات الفوركس هي حلقة في سلسلة من القضايا المشابهة، وهذا ما يسترعي الانتباه .
وبين أن طلب المال، لم يعد وسيلة بل أصبح غايةً، وهذا يغير من ترتيب أولوياتنا واهتماماتنا، ما له انعكاسات نفسية على الفرد وعلى المحيطين به، لافتاً إلى أن من النتائج النفسية التي ارتبطت بهذه الظواهر أيضاً الربط بين المال والسعادة، وجعله محور النجاح الوحيد، وهو ما أثر على سلوكياتنا المالية، والتعاملية الشخصية، فأصبحت المادة واستسهال الحصول على الثراء السريع معيق لكثير من الالتزامات العملية والاجتماعية وربما الأسرية والشخصية أحياناً.
وأشار إلى أن النظرية النفسية أكدت أن الشغف بالمال يعد مشكلة وخللاً في بناء الشخص النفسي، حيث ربطت النظرية التحليلية بين هذا الأمر وخبرات الطفولة ونقص مشاعر الأمان والرغبة في الحصول على التقدير المزيف المستتر وراء قناع المادة، وكذلك استشعار أن المال هو مصدر القوة والحصن المنيع الذي يحتمي وراءه الفرد.
وخلص الدكتور "الشهري" في حديثه إلى أن النظرية السلوكية اعتبرت حب المال من العادات السلوكية المكتسبة، وبالتالي ارتبطت شرطياً بالنتائج المؤقتة لجني المال، ما عزز لدى الفرد فكرة أن السعادة مرتبطة بالمال.