تناقل أهالي تبوك، أمس، أسماء لمواطنين سعوديين بعد صدور الأمر السامي الكريم بمنحهم قطع أراضٍ سكنية، وذلك لمشاركتهم ضمن القوات المسلحة السعودية خلال حرب 73م، على جبهتَي الأردن وسوريا، وهو الأمر الذي شمل المشاركين كافة من مناطق عدة في المملكة.
هؤلاء الأبطال الأحياء منهم والشهداء سجلوا في صفحات التاريخ أسمى قصص الوفاء والبطولات في الدفاع عن الكرامة العربية، ففي كل منزل عاش فيه هؤلاء الأبطال قصة وفاء تستحق أن تروى للأبناء والأحفاد.
ولأن القصة قصة بطولة؛ استوقفنا تحقيق استقصائي أجراه الزميل الصحفي عبدالقادر عياد، مدير تحرير جريدة الوطن سابقاً، ونشر عام ٢٠٠٩م، خلال رحلته للبحث عن قبر والده الشهيد عياد غضيان البلوي، فيما زود "سبق"، بصورة لم تنشر وهو يلتقي والده للمرة الأولى بعد أن غادرهم وهو في الثانية من عمره، وارتقى شهيداً مع ركب الشهداء من المحاربين السعوديين الأبطال.
رحلة البحث
يقول عياد في تحقيقه: "أبي الذي غادرنا وأنا في الثانية من عمري، لم يغب عن ذاكرتي، وأنا أراه كل يوم يتجسد في صور أبناء الجيش السعودي الذين يدافعون اليوم عن الحدود الجنوبية، وحينما وقفت على قبر والدي في مقبرة الشهداء بدمشق 26 أكتوبر 2009 تفتحت عيناي على حقيقة مقلقة: قصص هؤلاء المحاربين لم تكتب بعد".
ويواصل: "بدأت من جديد كمن يبحث عن والده الراحل في كل شهيد، بل في كل من شارك في تلك الحرب، وعدت إلى مقبرة الشهداء محصياً الأسماء على تلك الشواهد الشامخة اسماً اسماً، ورحت أربط بينها، وأتتبع الأسر والقبائل، وأسجل القصص والمعلومات وأوثقها، باحثاً عن أولئك الآباء الذين حاربوا شمالاً، ويحارب أبناؤهم اليوم في الجنوب".
بطولات الجيش
ويسرد التحقيق قصصاً من بطولة الجنود السعديين، ومنها "قيام الجندي محمد علي بن معصر العسيري بأسر جنديين من جنود العدو الإسرائيلي، حيث يذكر خال أبنائه سعيد بن عيسى العسيري، أنه قام بالتسلل ليلاً إلى عقر دار العدو، وتجاوز الحواجز والأسلاك الشائكة والمناطق الملغمة، ثم راقب سيارة خاصة بالاتصالات العسكرية تقل اثنين من الجنود الإسرائيليين، فدهمهما ونزع أسلحتهما ثم اقتادهما إلى مقر وحدته وسلمهما لقيادته".
كما ينقل التحقيق عن ثلاثة من المشاركين في حرب 73 وهم: العميد ناصر الحويطي ورئيس الرقباء مرزوق البلوي ومسفر بن فهد صالح القحطاني الذي أضاف قصة مشابهة بتفاصيل دقيقة لقيام بعض أفراد الجيش السعودي بالتسلل إلى المواقع المحتلة رغم شدة القصف لإنقاذ أجهزتهم من السيارات المعطوبة، ومنها تفكيك مدفع من سيارة معطوبة بعد أن شاهدوه عبر المناظير وتأكدوا من سلامته، إذ قاموا بتفكيكه وحمله إلى وحدتهم.
المعركة الكبرى
ووفقاً لما نقله التحقيق الاستقصائي الذي أجراه الزميل عياد عن موقع "مقاتل من الصحراء" الموسوعي على الإنترنت، حول بيان لوزارة الدفاع والطيران صدر منتصف شوال عام 1973 يؤكد "وجود جزء كبير من قواتنا المسلحة على خط المواجهة مع العدو في الجبهة الأردنية" و"تحريك قوات أخرى لأداء الواجب المقدس في المعركة القائمة هناك، ليمتزج الدم العربي السعودي مع الدماء العربية".
ويبدأ البيان بالقول: منذ بدء العدوان الإسرائيلي على الدول العربية 67 م، والقوات السعودية تشارك القوات الأردنية في خط المواجهة، وقد حدد لها قطاع خاص في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولا تزال هذه القوات حتى الآن (عام 1973) تحتل قطاعاتها، وهي على أهبة الاستعداد لمشاركة القوات الأردنية في تحرير الأرض المحتلة.
ويلقي بيان وزارة الدفاع السعودية الضوء على أحداث المعركة التي خاضها المحاربون السعوديون على الجبهة السورية الذين يرقد بعضهم اليوم بسلام في مقبرتها، إذ يقول: دفاعاً عن الشرف والكرامة واسترداد الأرض وتحرير المقدسات الإسلامية، بدأت هذه القوات في الوصول فعلاً إلى أرض المعركة في الجبهة السورية.
ويصف البيان الصادر في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- المعركة بالكبرى، قائلاً: بعد استطلاع رأي الأشقاء، أمر جلالته بأن توضع القوات العربية السعودية كافة بأقصى درجة الاستعداد للمشاركة في معركة الأمة العربية الكبرى.
خسائر مؤثرة للعدو
وتصدت المصفحات السعودية للدبابات الإسرائيلية الثقيلة "سنتوريون" وأوقعت فيها خسائر مؤثرة، تتراوح بين 5 و7 دبابات معادية في معركة تل مرعي وحدها"، في حين لقيت مشاركة الجيش السعودي في حرب تحرير فلسطين عام 48 بعض الاهتمام، عبر مؤلفات عدة تنتشر في المكتبات المحلية، إلا أن مشاركة المقاتلين السعوديين في الحرب التي تلتها عام 73 لم تجد الاهتمام ذاته.
الأكثر صعوبة
كما يختتم التقرير قائلاً: خسر الجيش الإسرائيلي في حرب 73 التي تسمي حرب يوم الغفران 2569 جندياً وأصيب 3700 مقاتل و301 أسير، وذلك بحسب موقع "واي نت" نقلاً عن الموسوعة الإسرائيلية، الذي يضيف أن رئيس هيئة الأركان خلال الحرب، ديفيد أليعازر، قال في مقابلة صحفية: لقد شاركت في الحروب التي خاضتها إسرائيل، وأعتقد أن هذه أصعبها، وكانت أقصر بكثير من حرب الاستقلال ولكنها الأكثر صعوبة.
معركة البترول
وعبر تقرير نشره موقع العربية في أكتوبر 2017 تطرق الى دور السعودية في حرب أكتوبر أنه في 17 أكتوبر من عام 1973 وعقب اندلاع الحرب بأيام قرر الملك فيصل استخدام سلاح البترول في المعركة، ودعا إلى اجتماع عاجل لوزراء البترول العرب في الكويت، وخلال الاجتماع تقرر تخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5%، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، كما قررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل.
وقامت السعودية بإعلان وقف بيع البترول للغرب لدفع الدول الغربية على إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، كما أعلنت أنها ستوقف إمدادات النفط إلى أميركا والدول الأخرى التي تؤيد إسرائيل في صراعها مع سوريا ومصر.
عقب ذلك القرار السعودي التاريخي سارع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي، بزيارة الرياض في 8 نوفمبر 1973، أملاً في الخروج بموافقة سعودية على استئناف تصدير النفط، لكنه ظل يناور ويراوغ فلم يجد سوى تصريحات قوية ومباشرة من القيادة السعودية مفادها بأنه سيتم استئناف تصدير النفط بعد أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة.
على المستوى العسكري شاركت القوات السعودية في الحرب ضد إسرائيل ضمن الجبهة السورية، في الجولان وتل مرعي، وخاض الجيش السعودي معارك طاحنة مع الوحدات الإسرائيلية، وقامت السعودية بإنشاء جسر جوي لإرسال جنودها إلى الجبهة السورية، كما أرسلت قوات من لواء الملك عبدالعزيز، وفوج مدفعية وفوج مظلات وسرية بندقية وسرية إشارة وسرية هاون، وفصيلة صيانة مدرعات، وسرية صيانة وحدة للجبهة السورية، لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل أرسلت السعودية أمراء ووزراء سعوديين لتفقد القوات المصرية على جبهة القتال وتقديم الدعم والمساندة للقادة والشعب المصري.
أسماء الشهداء
وجاءت أسماء شهداء الجيش السعودي في حرب ٧٣ في سوريا، والمنقولة من شواهد قبورهم في مقبرة الشهداء في منطقة نجها بدمشق، وفق تحقيق الزميل الصحفي عبدالقادر عياد، كالآتي: "عياد غضيان البلوي، محمد أحمد إبراهيم فراغلي، رفدان محمد الشهراني، عيد الشمري، وارد رشيد العطوي، زاعل سعد عتيبي، سالم حمود القرني، علي سعد الشهري، محمد عبدالله عسيري، سعيد الحارثي، علي الأسمري بن حاصل، أحمد مطر الشمران، سليمان حيان، سليمان محمد الرشيدي، يوسف العبدالله، ربع أحمد عسيري، عبدالله صالح الشمران، جابر جعفر، محمد عبدالله الأحمد، محمد أحمد عسيري، محمد الحمد، إبراهيم حسن، إبراهيم مرشد، حسن مطلق الخبري، عوض دحريان الفيحي، راشد محمد سعيد الشهراني، محمد علي عدوان، جابر سعد الفيحي، سالم غزول الفندي، محمد إبراهيم".