"الإنسان عدو ما يجهل" من أكثر العبارات التي تلاقي رواجًا مع كل أمر جديد، ويحدث أن يُستفز من خلالها الآخر الرافض لما نحن مقتنعون به، لكن ماذا عن واقعيتها؟!
حينما نتأمل الرفض المتكرر لأفكار تبدو عادية بالنسبة لنا، لكنها تخالف أو تتضاد مع الأعراف السائدة، وهي ليست أفكارًا خاطئة بالضرورة، لكن تم اتخاذ الرفض كموقف مضاد لها بسبب جدتها، وجدتها لا تعني الحداثة بقدر ما تعني عدم ألفتها.. من أبسط حقوق الفرد اتخاذ مواقف معادية لما يشاء من مواقف العداء، والمخالفة، والرفض على حد سواء، مع شرط وجود أسباب حقيقية للرفض يدركها الرافض ويعرف أنها أسباب منطقية، تمنحه الحق في ذلك، وليس لأنه "لا يرغب بذلك.. لا أكثر"، ولاسيما فيما يخص المجتمعات الحديثة، وتطور المجتمعات، وضرورة اختلاف حاضرها عن ماضيها.
المواقف المخالفة غير المدروسة أو غير المفهومة لا يمكن تفسيرها إلا بمواقف الأطفال الناتجة من الرفض لمجرد الرفض؛ لإثبات الذات والانتصار لها حتى وإن لم تكن هناك ضرورة أو داعٍ لكل ذلك. بغض النظر عن أن أمر القبول ومنطقيته وكذلك الرفض يخضعان لنسبية كبيرة، ولا يمكن إنكارها أو تجاهلها، لكن يوجد حد معلوم للجميع، يوضح منطقية القبول أو أسباب الرفض. والحديث هنا عن كل تغيير يحدث من حولنا، بدءًا من بيوتنا، ومرورًا بالمؤسسات التي نتبعها، والأنظمة القبلية أو السياسية التي ننتمي لها، وانتهاء بالعالم الكبير الذي نحن جزء منه مهما اعتقدنا غير ذلك. من المؤكد أن القبول والرفض لأي مشروع أو فكرة أو تغيير.. إلخ هما حق مشروع للفرد، لكن يبقى احترام الفرد لذاته بارزًا وظاهرًا حينما يكون الرفض أو القبول بناء على معطيات ومنطلقات واضحة، وكذلك أسباب مقنعة. الاختلاف برفض السائد قد يصنع منك أيقونة، لكن حينما تستحق أن تكون رمزًا من خلال ما تطرحه. كما أن الاتساق مرغمًا مع السائد خوفًا من البقاء وحيدًا ـ كما تذكر نيومان في دوامة الصمت ـ ضعف يجب على المرء تجاوزه، واحترام ما ميزه الله به من عقل. والمرء بالخيار بين أن يبدي رأيه محترمًا ذاته وعقول الآخرين، والانسياق حتى لا يبقى وحيدًا، ورفض الأطفال.