الدرعية عاصمة الإباء ومهد الكرامة

الدرعية عاصمة الإباء ومهد الكرامة

تم النشر في

في خطوة تاريخية لافتة، أعلنت القيادة السعودية في مرسوم ملكي كريم اعتماد يوم 22 فبراير من كل عام مناسبة للاحتفال بذكرى التأسيس، استرجاعًا لجهود المغفور له – بإذن الله - الإمام محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى التي كانت عاصمتها الدرعية عام 1139هـ (1727م).

الترحيب الواسع الذي وجده هذا الإعلان من أبناء الشعب السعودي كافة يكشف بجلاء المكانة الرفيعة التي تجدها هذه الأسرة المالكة الكريمة، عطفًا على الجهود الكبيرة التي بذلتها منذ مئات السنين لأجل رفعة هذه البلاد، وتحسين حياة أبنائها، وضمان مستقبل أفضل لأجيالها المقبلة. كما أن هذه الخطوة تعيد إلى الواجهة جزءًا عزيزًا من تاريخ الجزيرة العربية، وتوضح حجم التضحيات التي بُذلت لأجل تأسيس هذه الدولة الفتية التي انطلقت تسابق الزمن منذ تأسيسها، وحجزت لنفسها مكانة مرموقة بين الأمم المتقدمة.

وإذا عدنا إلى الفترة التي شهدت ظهور الدولة السعودية الأولى سنجد أن منطقة نجد، وجزيرة العرب عمومًا، كانت تعيش في فوضى عارمة، وتندلع الحروب بين قبائلها المتنافرة لأبسط الأسباب؛ وهو ما أوجد حالة من انعدام الاستقرار وغياب الأمن؛ فانتشر قُطاع الطرق، وازداد معدل الجرائم؛ وهذا انعكس بدوره على غياب التنمية، وتردي الأحوال المعيشية إلى أوضاع في غاية السوء. كما أن انتشار الطاعون في تلك الفترة زاد الطين بلة، وأدى إلى تفاقم الفقر والعوز بين السكان.

هذا الوضع أغرى العديد من القوميات، مثل الأتراك والفرس، للتغول على جزيرة العرب؛ فتسلطوا عليها، وصادروا قدرات البلاد، وساموا الناس ألوانًا من العذاب؛ وهو ما جعل السكان يتطلعون لبروز قيادة عربية أصيلة، تأخذ بأيديهم نحو التنمية والتطور، وتصون دماءهم، وتحمي مصالحهم من الطامعين والغزاة.

عندما ظهر الإمام محمد بن سعود، ورفع راية الإسلام والعروبة، التفَّت حوله معظم القبائل العربية، وكانت الدرعية تعاني انقسامات حادة بين سكانها نتيجة لمؤامرات الأتراك والفرس، لكن الإمام الذي كان يتمتع بقدرات سياسية مذهلة، وإمكانات إدارية متقدمة، استطاع أن يعبر بإمارته نحو شواطئ الأمان، بعد أن بسط العدل والاستقرار، وأشاع الأمن وسط السكان، ليس في الدرعية فقط، بل في كامل المنطقة المحيطة بها؛ فازدهرت الدولة في ذلك العهد، وبقيت ما شاء الله لها أن تبقى.

مرة أخرى شاءت إرادة الله أن ينهض في جزيرة العرب قائد آخر، من السلالة الكريمة نفسها، وبالقدرات المتميزة الفريدة نفسها؛ إذ نهض المغفور له – بإذن الله - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وحمل القرآن الكريم وسُنة نبيه عليه الصلاة والسلام دستورًا وشريعة، واستطاع بفضل الله أولاً، ثم بمجاهدات المؤمنين الذين آمنوا بدعوته، واقتنعوا بصدق توجهاته، أن يعيد توحيد جزيرة العرب كلها تحت راية "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، مستمسكًا بالقيم ذاتها التي حملها أجداده، مثل الصدق والعدل والإيمان والتوكل على الله.

لذلك فإن الاحتفال بتاريخ تأسيس الدولة الأولى على أنه يوم تأسيس المملكة العربية السعودية هو ربط منطقي للأحداث، ووصلٌ لتسلسلها الطبيعي؛ وهو ما يسلط الضوء على تلك الحقبة الغالية من تاريخ السعودية، ويجعل أبناء هذه البلاد أكثر فخرًا بوطنهم، وأشد ولاء لقيادته، وأعظم انتماء لها.

المهمة التي أرى أن علينا جميعًا القيام بها على وجه السرعة هي تسليط الضوء على تلك الملحمة الفريدة، وتعريف المواطنين – ولاسيما الشباب والناشئة – بتفاصيلها والجهود التي بُذلت، والتضحيات التي قُدمت، والدماء التي سُكبت؛ حتى نتمتع -ولله الحمد- بالعيش فوق ثرى هذه الأرض المباركة التي تقطع كل يوم شوطًا جديدًا نحو التنمية والازدهار، وباتت قِبلة للباحثين عن التطور والنماء بمثل ما هي قِبلة لمليار ونصف المليار من المسلمين الذين يتوجهون نحوها خمس مرات يوميًّا في صلواتهم، وتهفو قلوبهم لزيارتها ورؤيتها.

هذه المهمة العظيمة تقع بالدرجة الأولى على عاتق وزارة الثقافة والمؤسسات الإعلامية والصحفية، والجامعات والأندية الأدبية، وكل رجالات العلم والثقافة والأدب؛ فهي تحمل تفاصيل تاريخنا، وترسم ملامح هويتنا، وتضع تاريخنا المشرق المضيء أمام العالم كله؛ لنحكي للآخرين سيرة أجدادنا التي نتشرف بها، وكيف أنهم مهروا بدمائهم هذه الأرض، وقدموا أرواحهم فداء لها، وهي تستحق كل هذا وأكثر. كيف لا وهي مهد الحضارة، وأرض الأنبياء، وحاضنة الحرمين الشريفين.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org