قالت استشاري طب نفسي وعلاج الإدمان الدكتورة فاطمة كعكي: إن هناك عبارة يرددها البعض، وهي "لا أستطيع الدراسة بسبب الاكتئاب"، وهؤلاء ممن يواجهون صعوبات كبيرة خلال حياتهم الدراسية تتسبب في إصابتهم باضطراب نفسي يطلق عليه أطباء الصحة النفسية اسم الاكتئاب الدراسي.
وأضافت "كعكي": الاكتئاب هو حالة من الاضطراب المزاجي يتسبب في شعور متصل بالحزن، إضافة للشعور بحالة فقدان الشغف والاهتمام بكل شيء لأسبوعين أو أكثر، وهذا الشعور مغاير تمامًا لنوبات الحزن المؤقت الطبيعية التي تصيب الجميع، والتعامل معه مختلف تمامًا؛ فلا يمكن التخلص منه بسهولة.
وأضافت الدكتورة "كعكي" في حديثها لـ"سبق"، أن علامات وأعراض الاكتئاب الدراسي تتمثل في انعدام الشغف الدراسي، ويتبع ذلك مجموعة من الأعراض المزعجة أبرزها صعوبة التحصيل الدراسي، وزيادة الأفكار السلبية التي تؤدي إلى الاستغراق في المذاكرة لوقت طويل دون القدرة على حفظ المعلومات، والنسيان المستمر، والشعور بالعجز والإحباط، والانسحاب من متطلبات الدراسة، إضافة إلى اضطرابات وتقلبات في الحالة المزاجية التي تحدث لدى المصاب واضطرابات في النوم والأكل؛ فيشعر بالخمول والتوتر، وتُسَبب لديه قصورًا في القدرة العقلية على أداء المهام البسيطة، والاعتماد على المنبهات بشكل كبير لاعتقاده أنها وسيلة جيدة للتركيز والانتباه، وقضاء وقت طويل على الجوال مما يصيب الطالب بالتشتت وعدم التركيز والنسيان، ويبدو الأمر بشكل أكبر عند الأطفال.
وتابعت: أما بالنسبة للطلاب المنقطعين عن الدراسة لفترات طويلة فإن إدمان استخدام الجوالات والسهر الطويل والانقطاع عن الدراسة يؤدي إلى الشعور بالعجز، وعدم القدرة على التركيز وحفظ المعلومات؛ مما يسبب تكوّن أفكار سلبية للطالب عن نفسه بالعجز وعدم الثقة بنفسه والإحباط.
وعن أسباب الاكتئاب الدراسي قالت "كعكي" إن الأسباب تتعدد وراء معاناة الطلاب من اكتئاب الدراسة، منها:
يعاني العديد من الطلاب من الخوف والقلق من الفشل في الدراسة، ويحدث ذلك دومًا في حال لم يتمكن الطالب من تحقيق إنجاز دراسي يلبي توقعات المحيطين به مثل والديه أو معلميه وحتى زملائه أنفسهم؛ فأسباب الخوف من الفشل الدراسي تأتي في صور مختلفة بين توقعات المحيطين، ومشاعر القلق والتوتر التي تتملك الطالب بسبب رغبته للسعي وراء الكمال.
عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم الذي يُعَد عبئًا على الجسم يفوق طاقة تحمله، فيترتب عليه الإصابة بالإجهاد والشعور بحالة من التوتر والقلق.
حيث يُعد من الأسباب الشائعة بين الطلاب، فالاختبارات تُوَتر جميع الطلاب وتسبب لهم خوفًا شديدًا؛ فقد يخشى الطالب في الأيام التي تسبق موعد الامتحانات ألا يمتلك وقتًا كافيًا للاستعداد لها أو أن يحصل على درجات ضعيفة.
هناك بعض المواد الدراسية تتطلب وقتًا أطول لدراستها مقارنةً بغيرها من المواد، وهذا الأمر يُشَكل نوعًا من الضغط على العديد من الطلاب.
يُعتبر الحصول على فترات راحة أمرًا لا يقل أهمية عن الدراسة أيضًا، فكثير من الطلاب ينغمسون في الدراسة طوال الوقت دون التوقف لبعض الوقت للحصول على قسط الراحة؛ مما يؤدي لشعورهم بحالة من الإجهاد.
وعن علامات الاكتئاب الدراسي قالت "كعكي": الحزن والقلق شعور طبيعي يمر به كثير من الطلاب خلال مرحلة الدراسة، وعادةً تختفي هذه المشاعر خلال بضعة أيام على الأكثر، أما الاكتئاب فيؤثر على كيفية شعور الطالب بالأشياء والأشخاص من حوله، كما يؤثر على سلوكه وكيفية تفكيره؛ مما يتسبب في مشكلات صحية ونفسية عديدة؛ لذا من الأفضل الحصول على الرعاية الطبية اللازمة مبكرًا.
ومن العلامات التي يمكن الاسترشاد بها لمعرفة إن كان الطالب يعاني من اكتئاب الدراسة أما لا: "الانفعال الشديد أو الشعور بالإحباط بشكل مبالغ فيه في كثير من المواقف، وفقدان الشغف والاستمتاع بمختلف الأنشطة والهوايات، والإحساس بحالة من انعدام القيمة أو الحزن الشديد أو اليأس، والمعاناة من صعوبة في النوم، وقد يتمثل هذا الأمر في الإفراط في النوم أو قلته، والشعور بحالة من التعب والإجهاد حتى عند القيام بأبسط النشاطات، وتدني مستوى الطالب الدراسي، ومواجهة صعوبات في التفكير واتخاذ أي قرار، وكثرة النسيان ومواجهة صعوبة في تذكر الكثير من الأشياء، والشعور بالذنب والتركيز على المواقف السلبية السابقة، وكثرة لوم الطالب نفسه على أشياء ليس هو المسؤول عنها، وتكرار تفكير الطالب في التخلص من حياته، أو محاولة فعل هذا الأمر، واضطراب الشهية حيث في العادة ترتبط بقلة تناول الطعام وخسارة الوزن بشكل كبير؛ لكن في بعض الحالات تؤدي للشراهة واكتساب الوزن، ومعاناة الطالب من مشكلات صحية غير معلومة السبب مثل الصداع.
ونبهت "كعكي" لعدم تجاهل المشكلة؛ فالخطأ الذي يقع فيه الكثير من الطلاب هو تجاهل الأمر والتظاهر بالقوة والشعور بالسعادة، وبأن كل شيء على ما يرام، لكن هذه ليست الطريقة الصحيحة للتعامل مع الاكتئاب خلال مرحلة الدراسة، فالتظاهر بالقوة الوهمية سيزيد الأمور تعقيدًا وسوءًا ليس أكثر.
ولتفادي الإصابة باكتئاب الدراسة أو طرق الوقاية منه قالت "كعكي": يجب على الطالب تجنب المذاكرة لساعات طويلة من الليل، وينبغي عليه الحصول على قسط من الراحة، والحفاظ على الهدوء والطمأنينة في البيت، والتنويع في أساليب الاستذكار كعمل خرائط ذهنية، والحفاظ على ساعات النشاط وساعات النوم؛ إذ يجب على الطالب النوم 8 ساعات يوميًّا، وعدم مبالغة الأبوين في رفع سقف توقعات المحصول الدراسي؛ لأن ذلك يشكل ضغطًا على الطفل والمراهق، بل يجب استبدال هذا الضغط بالمكافأة والتعزيز الإيجابي والمعنوي لضمان الاستمرارية الصحية، كما يجب اتباع نظام غذائي صحي يساعد العقل على العمل مثل المكسرات والبروتينات والفيتامينات، والتقليل من الحلويات والمشروبات الغازية؛ لما لها من ضرر في استقرار الطالب وهدوئه سواء كان طفلًا أو مراهقًا.