أنهت القبلية وحققت الأمن بالجزيرة.. "الراشد": محمد بن سعود أسس دولة قومية قبل أن تعرفها أوروبا

الكاتب والمحلل الساسي عبدالرحمن الراشد
الكاتب والمحلل الساسي عبدالرحمن الراشد

يرصد الكاتب والمحلل الساسي عبدالرحمن الراشد، الملامح السياسية الأساسية لمشروع تأسيس الدولة على يد الإمام محمد بن سعود، لافتًا إلى أن القرن الثامن عشر المشحون بالأحداث الكبرى؛ أرسى أسس الخريطة السياسية للعالم، والتي نعيش معظمها اليوم، وكانَ قيام الدولة السعودية واحداً من المتغيرات التي رسَّخت وجودَها إلى اليوم، ومؤكدًا أن مشروع محمد بن سعود المختلف كانَ في إقامة الدولة الوطنية القومية القوية وليس التعصب للقبيلة أو البلدة، وهو المشروع الذي حقق لكل مناطقِ المملكة الأمن والحماية، وانهي حالةَ الغزو والنهب والاحتراب بين القبائل، كما أعاد حكم الجزيرةِ العربية إلى أهلِها، بعد أن كانت تدار من دمشق وبغداد والقاهرة والأستانا على مرّ القرون، بينما كان سكانها يعانون من موجات الجوعِ والقحطِ والأوبئة، باستثناء مكةَ والمدينة.

الدولة.. المشروع السياسي لمحمد بن سعود

وفي مقاله "المشروع السياسي لمحمد بن سعود" بصحيفة "الشرق الأوسط"، يقول "الراشد": "في العام السابعِ والعشرين من القرن الثامن عشر، قامت الدولة السعودية الأولى. حينها، لم تكنِ الجزيرة العربية محور اهتمام في ميزان الأحداث الدولية الكبرى. في ذلك القرن، كانت أوروبا الناهضة مركزَ العالم، تخوض حروباً دمويةً بينها وتمرُّ بثوراتٍ شعبية داخلية. سقطتِ الملكية الفرنسية، واندلعت حرب الاستقلال ضد الإنجليز في أميركا، وواجهتِ الإمبراطورية العثمانية معارك في أوروبا دفعتها للتوجه شرقاً بغزوها للدولةِ الصفوية. في هذا القرن، قامت مملكةُ بريطانيا العظمى، وتأسَّستِ الولايات المتحدة، وأُعلنتِ الجمهورية الفرنسية".

تأسيس الدولة أحد الأحداث الكبرى بالقرن الـ18

ويرصد "الراشد" ابرز ملامح واحداث القرن الـ18، ويقول: "القرن الثامن عشر مشحون بالأحداث الكبرى؛ أرسَى أسسَ الخريطة السياسية التي نعيش معظمها اليوم، وكانَ قيام الدولة السعودية واحداً من المتغيرات التي رسَّخت وجودَها إلى اليوم. كانتِ الجزيرةُ العربية خارجَ نطاق اهتمام القوى الاستعمارية، وذلك نظراً لفقر مواردها، الدافعِ الرئيس للتنافس الاستعماري الدولي. في مطلع القرن وتحديداً في عام 1727، قامتِ الدولة الجديدة بشجاعة وبعد نظرٍ من أحدِ أبناء عائلاتها الحاكمة، محمد بن سعود. كانتِ الجزيرة العربية، قبل ذلك، تزخر بالممالكِ الصغيرةِ المتعددة في إقليم الحجاز وإقليم عسير وإقليم الأحساءِ وغيرها. كانَ إقليم نجد، مثل الأقاليم الأخرى، مجزأً إلى إماراتٍ متنافسةٍ بين العيينةِ والدرعية ومنفوحة والرياض والخرج وغيرها، وتعيش حروباً لا تنتهي. كانتِ الحروب والغزوات لمدّ النفوذ، والثاراتِ، وتحصيلِ الإتاوات، وقطعِ طرقِ الحجاج، ونهبِهم".

لهذه الأسباب نجح مشروع محمد بن سعود

وعن أسباب نجاح مشروع محمد بن سعود، يقول "الراشد": "ما جعلَ رحلة محمد بن سعود لإخضاع الإمارات المتنافسة في نجد مشروعاً شعبياً وناجحاً، هو أنَّه أثبت للسكانِ أنَّه بحكم قوي ومركزي سينهي حالةَ الغزو والنهب. كانت رسالته إقامة دولة تنهي الاحتراب بين القبائل، وسكان القلاع، والغزاة، وقطاع الطرق. مشروعه المختلف كانَ في إقامة الدولة وليس التعصب للقبيلة أو البلدة، إذ كانَ يحقق لكل تلك المناطقِ التي خضعت لنفوذه الأمن وحماية سكانِها. انتشرت حركته لتتجاوز قلبَ الجزيرة العربية نحو الأقاليم الأخرى التي انتهت جميعها تحتَ دولةٍ واحدة، وقيادةٍ واحدة، لأول مرة منذ سقوط الدولةِ الإسلامية".

محمد بن سعود أسس دولة قومية قبل أن تعرفها أوروبا

ويضيف "الراشد" قائلاً: "غيَّرت تلك الحركةُ السياسيةُ وجهَ الجزيرةِ العربية لأكثرَ من ثلاثمائة عام تالية، وألهمتِ المنطقةَ العربية. عندما قامت الدولة السعودية في القرن الثامن عشر، قدمت نموذجاً مختلفاً، الدولة الوطنية، أي القومية الواحدة في مقابل الدولِ متعددة القوميات. وحقَّق وحدة سياسية لم يشهد هذا الجزء من العالمِ مثلَها من قبل. الدولةُ القوميةُ عُرفت لاحقاً بوصفها ظاهرةَ حكم سياسي جديد في أوروبا في القرن التاسع عشر، بحدودها الوطنية ومشتركاتها الثقافية.

محمد بن سعود أعاد حكم الجزيرة العربية إلى أهلها

ويرفض "الراشد" ادعاء البعض أن الدولة كانت بلا مشروع، ويقول: "ليس صحيحاً أنَّ محمد بن سعود عندما أسَّس دولتَه كانت بلا مشروعٍ سوى محاربةِ البدع أو الثأر من خصومه. كانت بلدتُه الدرعية تعاني، مثل غيرها، من عدوانِ جيرانها، نتيجةَ الجوع والقحطِ والثارات. في نجد وحدها دامت حربُ التأسيس 27 عاماً وقتل فيها أربعة آلاف. لم يتوقف بعد إخضاعه مدنَ وقرى نجد، بل انطلق في صحاريها ليعيدَ حكم الجزيرةِ العربية إلى أهلِها، بعد أن كانت تدار عن بُعد من دمشقَ وبغدادَ والقاهرة والأستانا على مرّ القرون، تاركينَ سكانَها يعانون من موجات الجوعِ والقحطِ والأوبئة، باستثناء مكةَ والمدينة".

لأول مرة منذ سقوط الخلافة الراشدة

وينهي "الراشد" قائلاً: "لم تكن هناك دولةٌ ولا استقرار في الجزيرة العربية حتى جاءَ محمد بن سعود وقرَّر تغييرَ الوضع بإعلان حكمه على ما وراء بلدته الدرعية، التي أصبحت خلالَ الدولة السعودية الأولى عاصمةً لمملكة متراميةِ الأطراف، وصلت إلى ضواحي دمشقَ شمالاً واليمن جنوباً، ومن مياه الخليج إلى مياه البحر الأحمر، وعاشتِ الدولة العربية الكبرى عصر أمن وازدهار لم تعرفه الجزيرة العربية منذ سقوطِ الخلافة الراشدة".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org