قادت المملكة تحولاً عميقًا، لا يهدف فقط إلى تقليل اعتمادها على النفط، بل أيضًا لوضعها كمركز عالمي للابتكار وريادة الأعمال والتقدم التكنولوجي، وذلك بهدف جعل المملكة واحدة من أكثر الدول تقدمًا من الناحية التكنولوجية في العالم، ودولة رائدة في المنطقة.
وتقود المملكة التي كانت لطالما مرادفًا للنفط، وظل اقتصادها لعقود يعتمد بشكل كبير على هذا النفط حيث تهيمن الصادرات النفطية على مصادر إيراداتها، استراتيجية متعددة الأوجه للتحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى قوة تكنولوجية عالية.
وكشفت الاستراتيجية عن إدراك المملكة أهمية التكنولوجيا، حيث ضخت استثمارات في البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك الإنترنت عالي السرعة، ووسعت شبكات الجيل الخامس، التي تعد الأساس لنمو صناعات التكنولوجيا الفائقة مثل التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي.
وعقدت المملكة شراكات استراتيجية مع عمالقة التكنولوجيا العالمية، مثل أمازون وجوجل وهواوي، مما يسهل نقل المعرفة وتبادل التكنولوجيا وتطوير المشاريع المشتركة في قطاعات التكنولوجيا الناشئة.
ومن الرعاية الصحية إلى التمويل، ضخمت المملكة استثمارات في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي، فيما تهدف هيئات مثل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي إلى تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي لدفع النمو الاقتصادي والابتكار.
وانعكست الثورة التقنية على قطاع التكنولوجيا المالية في المملكة والذي بات يشهد نموًا سريعًا، جراء الإصلاحات التنظيمية التي خلقت بيئة مواتية للابتكار في مجال التكنولوجيا المالية، مما انعكس على الشركات الناشئة التي باتت خدمات مالية وحلول دفع مبتكرة.
وجعلت هذه الأوضاع التي خلقتها رؤية 2030، المملكة تخطو فراسخ على طريق بناء نظام بيئي مزدهر للتكنولوجيا الفائقة، وجذب الاستثمار الأجنبي، ورعاية الشركات الناشئة، والاستثمار في البحث والابتكار، ما انعكس على ترتيبها في قوائم الدول الرائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
في ظل أن المملكة تضم واحدة من أكبر تجمعات الشباب في المنطقة، فقد ركزت رؤية 2030 على تطوير رأس المال البشري، عبر إصلاحات في قطاع التعليم لضمان تزويد الشباب السعودي بالمهارات اللازمة للصناعات عالية التقنية، وعززت من مشاركة المرأة في الحياة العملية، مما يزيد من مجموع المواهب بشكل عام.
ووفقًا لسياسة الاقتصاد الرقمي في المملكة، فإن المملكة تطمح إلى ممارسة دور ريادي في مجال التقنيات الناشئة، وأن تصبح المنصة الإقليمية الأولى وإحدى المنصات الرائدة عالميًا لابتكارات وتطبيقات التقنيات الناشئة.
وجعل هذا الطموح المملكة تدعم تبني التقنيات الرقمية الداعمة بهدف زيادة الإنتاجية والتنافسية في الأعمال، وتحفيز الطلب عليها، مع التركيز على رفع نسبة المنتجات والخدمات التقنية المحلية.
وفي ظل استثمارات استهدفت قطاع البحث والتطوير والابتكار، أصبحت المملكة على طريق تحقيق أرقام قياسية بنهاية العقد الحالي، حيث تتوقع المؤسسات الدولية زيادة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بمقدار 16 مليار دولار، مشيرة إلى أن الطفرة التكنولوجية في المملكة ترسم طريقًا نحو مستقبل أكثر تقدمًا، مما يزيد قدرة المصانع على تلبية أهداف المدن الذكية
واحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الثانية في مؤشر الأمن السيبراني العالمي الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) ومقره سويسرا، واحتلت المرتبة 17 بشكل عام في تصنيف القدرة التنافسية.
ووفقًا للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، تمتلك المملكة العربية السعودية حاليًا أكبر صناعة للأمن السيبراني في الشرق الأوسط، حيث بلغت قيمة سوق الأمن السيبراني في السعودية 3.6 مليار دولار في عام 2020،ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب قدره 17.98 في المائة ليصل إلى 9.8 مليار دولار بحلول عام 2026.
وتهدف المملكة إلى أن تصبح الدولة الأكثر اتصالاً ورقمنة في العالم بحلول عام 2030، وفقًا لمؤسسة البيانات الدولية (IDC)، التي توقعت أن يصل سوق إنترنت الأشياء في السعودية إلى 2.9 مليار دولار بحلول عام2025 بمعدل نمو سنوي قدره 12.8 بالمائة.
وبالإضافة إلى ذلك، تهدف المملكة العربية السعودية إلى تجهيز خمس مدن قائمة ببنية تحتية ذكية لتحتل المرتبة الأولى بين أفضل 100 مدينة على مستوى العالم، مما يولد فرصا للشركات العالمية لتطوير حلول إنترنت الأشياء الصناعية المصممة خصيصًا لمواصفات الأعمال المحلية ومستويات أعلى من الفعالية التشغيلية.
وتعمل المملكة بنشاط على تعزيز اعتماد الحوسبة السحابية، حيث من المتوقع أن يصل الإنفاق السنوي على الخدمات السحابية العامة إلى 2.5 مليار دولار بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 25%.
وفي مايو 2023، أعلنت هيئة المدن الاقتصادية والمناطق الخاصة عن إطلاق منطقة اقتصادية خاصة جديدة للحوسبة السحابية. وتعد هذه المنطقة الخاصة من أولى المناطق في المنطقة، حيث توفر لمقدمي الخدمات السحابية المرونة اللازمة لإنشاء مراكز بيانات في جميع أنحاء المملكة، والقدرة على تقديم خدمات الحوسبة السحابية المتنوعة من المنطقة.
وتطلب المملكة من الجهات الحكومية إعطاء الأولوية للحلول المستندة إلى السحابة. ويشير طرح سياسة السحابة أولاً في عام 2019 إلى نية الحكومة في دفع اعتماد السحابة على نطاق واسع عبر القطاعين العام والخاص.
وفي يوليو/2021، أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خطة بقيمة 18 مليار دولار لبناء شبكة من مراكز البيانات واسعة النطاق في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، لتحويل المملكة إلى مركز البيانات الرئيسي في المنطقة، من خلال العمل بشكل وثيق مع القطاع الخاص، بما في ذلك المستثمرين المحليين والدوليين، لتحقيق هذا الهدف. ويتيح الموقع الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية لمقدمي الخدمات السحابية العالميين خدمة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد احتلت السعودية المركز الأول عالمياً في مؤشر استراتيجية الحكومة للذكاء الاصطناعي الذي أعدته شركة تورتويز ميديا، وفقًا لتقرير صادر عن شركة الاستشارات العالمية برايس ووترهاوس كوبرز.
ومن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 135 مليار دولار في الاقتصاد السعودي في عام 2030، مما يجعل المملكة أكبر مستفيد من التكنولوجيا في الشرق الأوسط.
وكانت المملكة من أوائل الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي أطلقت شبكات 5G في عام 2019. ووفقًا لهيئة الاتصالات السعودية، فقد وصل معدل تغطية 5G إلى 53%، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي، فأصبحت الرياض، عاصمة عالمية رائدة، والتي تجاوزت تغطية شبكة الجيل الخامس فيها، أكثر من 95%.
وتجاوز إجمالي الاستثمار الرأسمالي للدولة في البنية التحتية الرقمية24.8 مليار دولار على مدى السنوات الست الماضية، مما أدى إلى تحسن كبير في جودة الخدمات، بما في ذلك سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول، والتي تضاعفت إلى 181 ميجابت في الثانية، أي ما يقرب من ضعف المتوسط العالمي، مما يجعل المملكة واحدة من أفضل الدول في العالم، ومن أفضل 10 دول في سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول.
وبالإضافة إلى ذلك، ارتفعت معدلات الاشتراك في الهاتف المحمول إلى172% من السكان وتجاوزت المتوسط العالمي بنسبة 36%، مما يعني أيضًا أن معظم الأشخاص لديهم اشتراكات متعددة تحت أسمائهم.
تبلغ قيمة سوق التجارة الإلكترونية السعودي 5.15 مليار دولار، ما يمثل6% من سوق التجزئة في البلاد البالغة قيمتها 92.6 مليار دولار.
وتظهر التقديرات الحالية لشركة ستاتيستا، وهي شركة ألمانية متخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، أن أكثر من 50% من السكان يتسوقون عبر الإنترنت، مقابل 37% فقط في عام 2016.
ووفقًا للبنك المركزي السعودي (ساما)، بلغت حصة المدفوعات الإلكترونية في تجارة التجزئة ما يقرب من 57% من إجمالي المعاملات في عام2021، وهو ما يتجاوز هدف الـ55% الذي حدده برنامج تطوير القطاع المالي (FSDP)، وهو أحد الأهداف الرئيسية في إطار رؤية 2030.
ومع سعي رؤية 2030 إلى تحقيق 70 في المائة من المعاملات غير النقدية بحلول عام 2030، من المتوقع أن يشهد السوق المزيد من الاستثمار منقبل الشركات الناشئة ومقدمي خدمات الاتصالات في قطاع المدفوعات الرقمية.
وتقول مجلة "وايرد" الأمريكية، إن خطط التنويع الاقتصادي الطموحة في المملكة، تدفع الصناعات إلى التحول الرقمي، مشيرة إلى أن معدلات انتشار الإنترنت المرتفعة والأجهزة المحمولة، ومبادرات الحكومة الإلكترونية، والاستثمار في البنية التحتية التقنية والخدمات اللوجستية، والتزامها بتعزيز ثقافة الابتكار، كلها عوامل تواصل تعزيز جاذبيتها كمركز إقليمي للتكنولوجيا، وتحفيز النمو في كافة القطاعات.
ونحو تحقيق رؤية 2030، حققت المملكة تقدمًا كبيرًا، خاصة في القطاعات غير النفطية، حيث عملت على تطوير الرقمنة وتعزيز بيئة أعمال تنافسية.
ويكشف تقرير مراقبة الاقتصاد السعودي الافتتاحي الصادر عن "بيدبليو سي"، أن الناتج المحلي الإجمالي السعودي تجاوز تريليون دولار لأول مرة في عام 2022.
وفي بيئة الأعمال الجديدة في المملكة، تعمل التكنولوجيا على تمكين التطور، مما ينعكس على تعليم أفضل، وخدمات جديدة عبر الإنترنت، وفرص أفضل للشركات لتزدهر، وسوق رقمية أوسع لبيع المنتجات والخدمات، وتعزيز الإبداع والتعاون خارج الحدود.
وفي مجال الرعاية الصحية والتعليم، اتجهت المملكة نحو الرقمنة وتحسين وإنشاء الخدمات الذكية؛ فعلى سبيل المثال، استهدفت السعودية رقمنة70% من أنشطة المرضى بحلول عام 2030 لتقليل الاعتماد على الإنسان وأتمتة العديد من خدمات الرعاية الصحية.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك أيضًا التزامًا كبيرًا في المملكة بدعم الابتكار التكنولوجي من خلال مبادرات مختلفة، بما في ذلك الإصلاحات التنظيمية، وحوافز الاستثمار، وإنشاء مناطق اقتصادية تركز على التكنولوجيا، مثل نيوم ومركز الملك عبد الله المالي.
مثل هذه الخطوات تعمل على خلق بيئة مواتية للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والشركات المتعددة الجنسيات في جميع أنحاء المنطقة والعالم.
وفي تأكيد على جاذبية السوق السعودية، بدأت الشركات تستثمر في تقنيات جديدة مثل الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، وسلسلة الكتل، وإنترنت الأشياء، يليها التصنيع المتقدم والروبوتات، والواقع الافتراضي والمعزز، والعلوم الحيوية المتقدمة.
وهناك استثمارات كبيرة -أيضًا- في استخراج البيانات والسحابة للتنقل في الاقتصاد الرقمي الحديث، ويتجلى هذا بشكل خاص في تطوير المدن الذكية والمعرفية حيث يتم الاستفادة من التكنولوجيا السحابية لدعم إنشاء البنية التحتية الذكية، مثل إدارة حركة المرور الذكية وتعزيز الاتصال المعزز.
ويقول الموقع الرسمي لادارة التجارة الدولية ( ITA ) هي وكالة في وزارة التجارة بالولايات المتحدة، إن قيمة سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السعودية، بلغ أكثر من 40.9 مليار دولار أمريكي، ويشكل 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
واعتبرت إدارة التجارة الدولية، السوق السعودية الأكبر والأسرع نموًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرة إلى أنها في وضع جيد تؤهلها لأن تصبح سوقًا تكنولوجية، ومركزا سحابيا يتمتع بإمكانية الوصول إلى الاتصال الدولي عبر البحر الأحمر والخليج، مع إمكانية خدمة الأسواق الأوروبية والآسيوية والإفريقية.
وعلى الرغم من أن المصدرين الأمريكيين غير مطالبين بتعيين وكيل أو موزع سعودي محلي للبيع للشركات السعودية، إلا أن هناك توصيات، بضرورة أن تفكر الشركات في الشراكة مع شركة محلية لمراقبة الفرص التجارية بشكل أفضل، والتنقل بين لوائح الاستيراد والاختبار القياسي، وتحديد مبيعات القطاع العام. وفرص التعاقد، ما يعني أن السوق السعودية باتت جاذبة للاستثمارات في قطع التقنية، مما يجعلها مؤهلة لأن تصبح واحدة من أفضل الأسواق العالمية.
وكانت المملكة صعدت إلى المركز 17 في تصنيفات الاقتصاد العالمي فيعام 2022. وتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل المملكة إلى 1.3 تريليون دولار من الإيرادات المالية بحلول نهاية عام 2028.