
ترتبط السعودية وفرنسا بعلاقات تتسم بالقوة والمتانة على الأوجه كافة؛ إذ تُعد المملكة أحد أبرز الشركاء الاستراتيجيين لفرنسا في منطقة الخليج، ويتشارك البلدان العديد من الرؤى السياسية والاقتصادية.
ولا شك فإن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الفرنسية باريس، والتي سيلتقي خلالها بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ستشهد دفعًا جديدًا للعلاقات، وفتح مسارات جديدة للاستفادة من الفرص المولدة من رؤيتي البلدين لاقتصادهما؛ رؤية 2030، والخطة الاقتصادية لفرنسا 2030.
ويتطلع البلدان إلى الاستفادة من تلك الفرص المتاحة، وتعزيز جدواها، إذ إن هناك ترحيبًا كبيرًا من الرياض بزيادة تعاون الشركات الفرنسية في القطاعات، في إطار رؤية المملكة 2030، بما فيها الطاقة، وإدارة المياه والنفايات، والمدن المستدامة، والنقل، والطيران المدني، وحلول التنقل، والاقتصاد الرقمي، والصحة.
كما ترغب باريس باستقطاب الاستثمارات السعودية في القطاع العام والخاص، لا سيما قطاعات التقنيات الجديدة والشركات الناشئة وصناعة المستقبل، وهو ما تتطلع إليه الرياض بدورها بتعزيز استثمارات القطاع الخاص السعودي في السوق الفرنسي.
وتنسحب العلاقات المتينة بين البلدين لتشمل قطاعات أخرى، ومنها الطاقة، حيث يجمعهما العديد من المشروعات في مجالات تكرير البترول، وإنتاج البتروكيماويات، وقطاع الكهرباء والطاقة المتجددة، وأمن المحطات والشبكات الكهربائية، وموثوقية الخدمة، وتبادل الخبرات في الربط الكهربائي.
وتنعكس تلك الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على الزيارات المتبادلة مؤخرًا بين القادة، وما شهدته من اتفاقيات وتفاهمات في عددٍ من المجالات، حيث شهدت زيارة ولي العهد لفرنسا في العام 2018 توقيع 19 بروتوكول اتفاق بين شركات فرنسية وسعودية، بقيمة إجمالية تزيد على 18 مليار دولار، شملت قطاعات صناعية مثل البتروكيميائيات ومعالجة المياه، إضافة إلى السياحة، والثقافة، والصحة، والزراعة.
وتبعها زيارة ولي العهد إلى العاصمة الفرنسية قبل نحو عام في يوليو 2023، والتي شهدت توافقًا واضحًا على تعميق الشراكة الاستثمارية بين البلدين عبر رفع وتيرة التعاون الاستثماري والاقتصادي، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتعاون في مجال الهيدروجين النظيف.
كما استقبلت الرياض في ديسمبر 2021 الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وشهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في المجالات (الثقافية، والسياحية، والتقنية الرقمية، والفضاء)، إضافة إلى اتفاقية إنشاء المركز الثقافي الفرنسي (فيلا الحجر) في محافظة العلا، وإقامة منشأة لإنتاج هياكل الطائرات (صناعات عسكرية)، وصيانة محركات الطائرات.
ويتطلع البلدان إلى تعزيز الاستفادة من هذه الشراكة، وتعزيز أواصرها في مجالات الاستثمار المتبادل والمشترك، والصناعة، والطاقة، والثقافة والتراث، والسياحة، والتعليم، والتقنية، والفضاء، والدفاع والأمن، وغيرها من المجالات.
ويتقاسم البلدان الرغبة كذلك في العمل على تعزيز الشراكة الاستراتيجية (الخليجية الفرنسية) من خلال خطة العمل المشتركة بين الجانبين 2023 - 2028"، حيث تتوفر فرص التعاون بين منطقة الخليج وفرنسا في عددٍ من المجالات مثل: الذكاء الاصطناعي، والخدمات اللوجستية الخضراء، إضافة إلى الشراكة في تحفيز التنمية السياحية، والرياضية، والترفيه، لاسيما وأن حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وفرنسا يتجاوز 20 مليار دولار.
ويدل على تلك الرغبة القوية في تعزيز العلاقات الخليجية- الفرنسية، ما صرح به الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج جاسم البديوي، بأن العلاقة بين دول المجلس وفرنسا متميزة، حيث يملك الجانبان نقاط قوة وموارد متميزة، تمكنهم من تبادل الخبرات وتكوين شراكات تجارية مرنة، وتعزز قدرتهم التنافسية في سوق عالمي سريع التغير.
وقال على هامش مؤتمر "رؤية الخليج"، الذي عقد قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس: إن "دول المجلس وفرنسا تدرك أهمية تنويع اقتصاداتها لتقليل الاعتماد على قطاعات أو أسواق معينة".
ولفت إلى أن دول المجلس تطمح إلى عقد الشراكات مع الدول المفيدة للشعوب من الطرفين، وتسعى لأن تكون هذه الشراكات ذات فائدة وقيمة على الأصعدة كافة، وبالأخص على الصعيد الاقتصادي، لتؤدي إلى الاستقرار والتنمية.
وأشار إلى أن دول المجلس تملك المقومات الاقتصادية والبنية التحتية الجيدة التي تؤهلها لهذه الشراكات، ومنها مشروع الربط الكهربائي ومشروع السكة الحديدية بين دول المجلس، منوهًا إلى أن دول المجلس لديها عنصران مهمان لتكوين اقتصاد خليجي واحد، وهما الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة.