فرضت سرعة تفاقم أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، واتساع نطاقها في أكثر من 185 دولة، تحديات غير عادية على بلدان العالم، تمثَّل بعضها في ضياع فرص اتخاذ الإجراءات الاحترازية الحاسمة للسيطرة على الوضع الصحي في الوقت المناسب، وضَعْف التخفيف من حدة المشكلات الاقتصادية المصاحبة لها في كثير من الدول، بينما كان هناك قلَّة من الدول التي استطاعت أن تسبق الفيروس بخطوة قبل أن يستفحل أثره، وهذا ما حدث بالفعل في المملكة العربية السعودية.
على سبيل المثال: حينما ظهرت أول حالة مؤكدة للإصابة بالفيروس في السعودية يوم 2 مارس 2020 جاءت الاستجابة السريعة من الدولة باتخاذ إجراءات احترازية، تمثلت في تعليق أداء العمرة للمواطنين والمقيمين يوم 4 مارس، وتوالت بعدها إجراءات مثل تعليق رحلات الطيران، وتعليق الدراسة في المدارس والجامعات، وتأجيل الفعاليات الرياضية والجماهيرية والمهرجانات والاحتفالات كافة، وإغلاق بعض المناطق. وقد أدى الإجراء الحاسم السريع الذي اتخذته حكومة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين يوم 17 مارس 2020 إلى إطلاق شرارة سلسلة من التدابير الاحترازية، مثل: إجراءات الفحص الاستباقي، والحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي، وحظر التجول، وغلق الحدود، وإغلاق الأنشطة الاقتصادية كليًّا أو جزئيًّا، إلى نجاح السعودية بأن تكون ضمن أفضل دول العالم المطبِّقة لهذه التدابير في الوقت المناسب والكيف المطلوب.
وقد مكَّن ذلك السعودية من تغيير مسار الفيروس بكل تأكيد، وكان من نتيجة ذلك انخفاض نسبة الوفيات بسبب فيروس كورونا في السعودية حتى تاريخ إعداد هذه المقالة إلى 0.59 % من إجمالي الإصابات، وهي أقل نسبة على مستوى الدول العشر الكبرى في العالم، واضعة بذلك السعودية مبدأ الحفاظ على صحة المواطن والمقيم على قمة الأولويات.
تجدر الإشارة إلى أن السبق في استجابة السعودية يعتبر أولى أهم الاستجابات المبكرة لمجابهة تفشي الفيروس عالميًّا بعد الصين؛ إذ أُعلن بدء سريانه في وقت مشوب بقدر كبير من الغموض حول الفيروس. ومن المصادفات أن منظمة الصحة العالمية أعلنت رسميًّا تصنيف فيروس كورونا "جائحة عالمية" يوم 11 مارس 2020، بينما كانت السعودية قد اتخذت إجراءاتها قبل ذلك بكثير.
في حين تسبب التخفيف من وطأة الحدث في دول أخرى، حتى المتقدمة منها، مع وصف بعضها الفيروس بأنه مثل الإنفلونزا الموسمية، إلى تأخير اتخاذ الإجراءات الاحترازية، والتقليل من حجم الخطر حتى يتضح الوضع لها؛ لذلك جاءت إجراءات تلك الدول متأخرة للغاية في سباق السيطرة على الوباء. وكان على رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيطاليا.. وغيرها.
السمة الثانية التي صاحبت إدارة الأزمة بالسعودية، وكانت أحد أسباب نجاحها في السيطرة عليها، هي الشفافية في التواصل ونشر المعلومات التي اتبعتها الحكومة السعودية، التي أدت إلى قبول القطاعات المختلفة بالسعودية الخطوات التصعيدية المرتقبة، وظهور روح التعاون للمُضي قُدمًا –على الرغم من الصعاب- في رحلة القضاء على هذا الوباء؛ وهو ما أثمر توجيه خادم الحرمين الشريفين في خطابه بتاريخ 22 مايو 2020 الشكر للمواطنين والمواطنات والمقيمين والمقيمات على وقوفهم بكل إخلاص ووفاء مع ما اتخذته الأجهزة المعنية بالسعودية من إجراءات احترازية ووقائية وعلاجية، هدفها الإنسان، ولا شيء غير الإنسان، والحفاظ على صحته، والعمل على رعايته، والسعي إلى راحته.
وسرعان ما أشادت بهذا الأداء منظمة الصحة العالمية، وصندوق النقد الدولي، وعدد من سفراء الدول المتقدمة بالسعودية؛ باعتباره أداء احترافيًّا للحكومة السعودية في إدارة أزمة جائحة كورونا. كما وصفه البعض بالعمل الاستثنائي في التصدي للأزمة.
السمة الثالثة التي ميّزت احترافية إدارة أزمة كورونا بالسعودية هي تركيز الدولة على حل المشكلات المصاحبة للتأثيرات الاقتصادية والمالية على المواطن والقطاع الخاص والاقتصاد بصفة عامة. فبالرغم من إطلاق كثير من دول العالم المتقدم التي ضربها الفيروس التاجي مجموعة من التدابير المالية القوية، وحِزَم دعم للقطاعات كافة بغرض احتواء التداعيات الاقتصادية والمالية للأزمة، إلا أن التدابير التي أطلقتها السعودية، التي بلغت تكلفتها 180 مليار ريال، وتمثل 8 % من الناتج المحلى الإجمالي السعودي، جاءت متوازنة لتحقيق دعم المواطن والقطاع الخاص على السواء، وذلك من حيث توفير الدعم المالي الفوري المباشر للتصدي للجائحة للحماية الصحية، ودعم الحياة الكريمة للأفراد، إضافة إلى تأجيل المتحصلات الضريبية ورسوم الخدمات الحكومية، والمساهمات الاجتماعية، بجانب دعم سيولة منشآت الأعمال بأحجامها كافة.
ويكشف ذلك عن الشكل الأمثل للقيادة الرشيدة للمملكة في إدارة أزمة هذا الوباء وآثاره الممتدة، بالتركيز على حل أهم المشكلات المصاحبة لها، وهي الحفاظ على توفير العيش الكريم للمواطنين، إضافة إلى دعم الاقتصاد الذي ظهر قوته وقدرته على التكيف في مواجهة أصعب الأزمات.