أكد أستاذ القانون الإداري المساعد بجامعة المجمعة، أحمد بن محمد الشمري، في قراءة قانونية في نظام الجامعات الجديد؛ أننا في حاجة ماسة إلى تطوير النظم والتشريعات التي تحكم مؤسسات التعليم العالي في بلدنا، وبصورة خاصة في جامعاتنا لإعداد وتنمية مواردها البشرية؛ للقيام بأعباء التنمية الشاملة والتفاعل مع معطيات وتحديات العصر.
وقال "الشمري" لـ"سبق": لعلنا نأمل في تحقيق الهدف المنشود من خلال مشروع نظام الجامعات الجديد الذي سيعلن عنه خلال الأشهر المقبلة من قِبَل وزارة التعليم، والتي طالبت بشأنه كل من يعنيهم الأمر -من الأكاديميين والمهتمين بالشأن التعليمي بصفة عامة والجامعي بصفة خاصة- بالاطلاع عليه وإبداء الملاحظات بشأنه.
وأضاف: لهذا فإنه من واقع تخصصنا الأكاديمي، ومن منطلق مسؤوليتنا تجاه الوطن؛ يمكننا استعراض أهم الإيجابيات التي تَضَمّنها المشروع في نظامه الجديد، بالإضافة إلى استعراض أهم الجوانب التي تحتاج إلى معالجة والتي بيّناها في وقت سابق للمسؤولين عن إعداد هذا النظام.
وأردف: بدايةً يمكننا تحديدُ أهم الإيجابيات في النقاط التالية: وفقاً لما ضمّنته المادة "13" من نظام الجامعات الجديد فيما يخص تأسيس مجالس أمناء الجامعة، الذي يُعتبر استحداثاً متميزاً في الهيكل التنظيمي للجامعة؛ فهذه المجالس تُعَد بمثابة جهات تشريعية لكل جامعة، ويكون لها دور في تحقيق المواءمة في اتخاذ القرارات والمقاربة بين دورها كجهة تشريعية ومجلس الجامعة كجهة تنفيذية، ويتوقف تحقيق هذا الدور على من يتولى قيادتها داخل الجامعات من أصحاب الخبرة والكفاءة العلمية.
وتابع: الصلاحيات التي مَنَحها النظام الجديد لمجالس الأمناء؛ خاصة في النواحي الإدارية والمالية، ومنها إقرار ميزانية الجامعات والحساب الختامي والبتّ في التوصيات الرقابية ووضع السياسات الاستثمارية والإشراف عليها، وإنشاء شركات للاستثمار عن طريق التمليك أو الشراكة مع جهات حكومية أو القطاع الخاص اتساقاً مع رؤية المملكة 2030 من خلال إشراك القطاع الخاص بشكل مكثف وجعله شريكاً استراتيجياً؛ ستتيح للجامعات تحقيقَ استقلالية حقيقية تدفعها إلى إيجاد مصادر تمويل جديدة؛ من خلال فرض رسوم دراسية على برامج الدراسات العليا وعوائد البحث العلمي، وتأسيس الأوقاف، وتقديم الاستشارات العلمية للقطاع الخاص.
وقال "الشمري": هذا في حد ذاته تطور إيجابي يمكن من خلاله استثمار أموال الجامعة للتنمية المستدامة لمواردها، وسيؤدي إلى تخفيف العبء عن الجهاز الحكومي؛ وذلك بخفض اعتماد الجامعات على موازنة الدولة؛ غير أن ذلك الأمر يتطلب تخطيطاً ورقابة ومتابعة من الجهات المعنية؛ حتى لا يطغى الجانب المادي على حساب المهمة الرئيسية للجامعة كمؤسسة تعليمية عليا.
وأضاف: يحسب لهذا النظام الجديد تفاعله بشكل متطور ومرن مع البحث العلمي ومتطلباته؛ من خلال إدراج مسمى وظيفي جديد هو "مساعد باحث" كما ورد في المادة 45 من مشروع نظام الجامعات الجديد، كما خول للجامعة -وفقاً للمادة 15 من مشروع نظام الجامعات الجديد- صلاحية "إقرار القواعد المنظمة لتشجيع البحث العلمي والابتكار والتأليف والترجمة والنشر"، بالإضافة للمادة 46 التي منحتها صلاحية "تفريغ أعضاء هيئة التدريس للبحث العلمي أو التدريس بشكل دائم أو مؤقت"، ومن المتوقع أن يكون لهذه المستجدات مردود إيجابي على حراك البحث العلمي.
وأردف: التصنيف الأكاديمي للجامعات في المادة الثالثة من مشروع نظام الجامعات الجديد إلى "بحثية، وتعليمية، وتطبيقية" وفقاً لما ورد بها، أن تختص الجامعات البحثية بالبحث العلمي والدراسات العليا، وتختص الجامعات التعليمية بالتعليم في مرحلتيْ البكالوريوس والماجستير؛ بينما تختص الجامعات التطبيقية بالتعليم التطبيقي في مرحلتي الدبلوم والبكالوريوس.
وتابع: يعد هذا التصنيف وسيلة للتعرف على مستوى جودة كل جامعة ومدى تطورها، وأداة مهمة في تعزيز المنافسة بين الجامعات بتصنيفاتها المتباينة من أجل تحسين أدائها العام بالشكل الذي يخدم الحركة العلمية على مستوى المجتمع.
وقال "الشمري": من مزايا هذا النظام، قيامُه بإتاحة الفرصة للطلاب والطالبات غير السعوديين بالدراسة في الجامعات السعودية مقابل رسوم؛ وفقاً لنص المادة 60، وهذا القرار سواء للمقيم أو للاستقطاب؛ يحقق الاستفادة من الناحيتين التعليمية والمادية؛ فأما من الناحية التعليمية؛ فنجد أن السماح للطلبة الأجانب بالدراسة في السعودية سوف يؤدي إلى تبادل الخبرات بين الطلبة من بيئات تعليمية مختلفة؛ وبالتالي زيادة المنافسة بين الطلاب؛ مما سيرفع المستوى التعليمي على جميع المستويات، وهذا بدوره يصب في صالح الجامعة علمياً؛ مما يؤهلها للحصول على الاعتماد الأكاديمي ويرفع من تصنيفها عالمياً، وأما من الناحية المادية؛ فإن تقاضي رسوماً دراسية من الطلبة الأجانب يمثل إيرادات خاصة تُسهم بشكل كبير في تحسين الأوضاع المالية لميزانية الجامعة وخدمة المجتمع.
وأضاف: ورد في المادة الأولى من مشروع النظام الجديد للجامعات ما يخص توصيف الكيان القانوني الجامعات بأنها "مؤسسات عامة غير هادفة للربح"، وهذا المسمى يشتمل على متضادين؛ فالجامعات بوصفها مؤسسات عامة تؤول تبعيتها نظامياً للدولة، ووصفها بأنها غير هادفة للربح؛ فيه دلالة واضحة على التخصيص، وبالطبع هذا الغموض الذي يكتنف نص المادة سوف يؤثر بشكل كبير على سائر مواد النظام؛ نظراً لصعوبة الوقوف على ماهية هذا الكيان، وهل يعد قطاعاً خاصاً أم قطاعاً عاماً لكي يتسنى لنا أن نطلق عليه مصطلح مؤسسة عامة أم لا.
وأردف: وفقاً لما جاء في المادة الرابعة من مشروع نظام الجامعات الجديد، التي تنص على: "تتمتع كل جامعة بشخصية معنوية مستقلة ذات ذمة مالية تعطيها حق التملك"، يعطي بذلك دلالة واضحة على التوجه نحو خصخصة الجامعات.. وقد أردف ذلك بعبارة: "ويكفل لها هذا النظام الاستقلال التام"، وعلى الرغم من أن المقصد من لفظ الاستقلال هو زوال التبعية للجهاز الحكومي، وتكفل مجلس الأمناء بمهمة إقرار ميزانيتها السنوية، بدلاً من وزارة المالية أو الحكومة كما كان معمولاً به من قبل، واتخاذ ما تراه من قرارات تتعلق بالعملية التعليمية أو البحثية وغيرها من الأنشطة والخدمات بدون أن تطلب موافقة مسبقة من مجلس أعلى.
وتابع: المتمعن في نصوص مواد النظام؛ يجد أن الأمر على النقيض؛ بمعنى أن هذه النصوص تضع إزاء الجامعة العديدَ من القيود عند ممارستها لسياساتها التعليمية والمالية والإدارية.
وقال "الشمري": ما ورد في نص المادة السابعة والتي نصت على "إنشاء مجلس شؤون الجامعات" وارتباطه برئيس مجلس الوزراء من مهامه، ووفقاً لما جاء في المادة التاسعة رسم السياسات والاستراتيجيات والتوجهات العامة للتعليم الجامعي، وتشكيل مجالس أمناء الجامعات، واقتراح ما يراه من لوائح مشتركة للجامعات، ومراقبة أداء الجامعات، والموافقة على تكليف وكلاء الجامعات وغيرها.
وأضاف: هذا الأمر الذي ينجم عنه التلاشي الفعلي للاستقلال الجامعي الوارد بنص المادة الرابعة، أضف إلى ذلك أنه جعَل قرار تعيين معظم أعضاء مجلس شؤون الجامعات بِيَد رئيس مجلس الوزراء؛ فأي نوع من الاستقلالية هذا في ظل ما سبق سرده؟ فكان حرياً بالنظام الجديد أن يكون بمنأى عن ذلك التعارض بين نصوصه.
وأردف: ينسحب ذلك على المجلس العلمي الذي لا تزال تبعيته لوكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، وتم ذكر ذلك في مشروع نظام الجامعات الجديد تحت مسمى "وكيل الجامعة المختص"، وخول له صلاحية ترشيح أمين المجلس العلمي، وكان من المتوقع في النظام الجديد أن يتمتع المجلس العلمي باستقلال تام عن أي نوع من التبعية، وأن يتم اختيار رئيسه وأمينه وأعضائه عن طريق الانتخاب؛ نظراً لكون تولي المناصب والترقية يتطلب الحيادية المطلقة؛ وخاصة بعدما منح النظام الجديد للجامعات الحق في التعيين والتوظيف بنظام التعاقد السنوي لأعضاء هيئة التدريس المنتسبين إليها؛ وبالتالي سينجم عن قرار المجلس العلمي إقصاءُ بعضهم؛ مما لا يجوّز أن يكون القرار الصادر قد أُملِيَ عليه من أي سلطة تعلوه بالمخالفة للنظام؛ وإلا كان القرار معيباً بما يوجب نقضه.
وتابع: الفقرة التاسعة من المادة 16 قد نصت على أن "عمداء الكليات والمعاهد ورؤساء الأقسام بالتعيين"، كما تنص المادة 13 "على تعيين مدير الجامعة"، وهذا يعني أن نظام الانتخاب لن يطبق في الجامعات؛ في حين أنه هو النظام المعمول به في بعض الجامعات عند تأسيسها، وقد يكون من المناسب تحفيزُ العمل الأكاديمي بدعم نظام الانتخاب.
وقال "الشمري": المتفحص لنص المادتين 14 و15 من مشروع نظام الجامعات الجديد؛ يجد أنه قد تم الزج بعضوية ثلاثة من القطاع الخاص ضِمن تشكيل مجالس أمناء الجامعات، والجامعات التطبيقية بدون مبرر كافٍ، وإن أمكن تقبّل تلك العضوية؛ فسيكون ذلك مقتصراً على مجالس أمناء الجامعات الأهلية التي ينشؤها ويديرها القطاع الخاص؛ حيث أغفل النظام الجديد للجامعات -كغيره من الأنظمة السعودية- تنظيم ظاهرة "السرقات العلمية" بمعناها الأكاديمي، الواقعة بفعل أعضاء هيئة التدريس ضمن نصوصه؛ على الرغم من أهميتها بمكان، وانتشارها بشكل ملحوظ في ظل عدم وجود نظام قانوني يجرّم تلك الظاهرة، ويفرض عقوبة رادعة على كل مَن تسوّل له نفسه القيام بمثل هذه الأفعال.