
مع حلول شهر رمضان، تعُجُ الشبكات الاجتماعية بعادة المباهاة والاستعراض للسفرة الرمضانية في الإفطار والسحور عبر الشبكات الاجتماعية، التي تزدحم بالمأكولات والمشروبات المتنوعة، وقد تفوق حاجة الأسرة أو تُعد غير صحيّة، ويتفق أهل العلم على النهي عنها، وقد تجرح الفقراء والمحتاجين، وتُشعرهم بالانكسار والأسى.
"السفرة الرمضانية"؛ ومع عدسات الفلاشات للتطبيقات الاجتماعية، تحظى باستعداداتٍ مبكّرةٍ وتجهيزاتٍ خاصةٍ من قبل حلول شهر رمضان، حيث تُجلب لها أواني طعام خاصة، ووصفات ومقادير لأصناف كثيرة وتفوق حاجة الأسرة، ويكون البقاء في المطبخ مُنذ ساعات مُبكرة للخروج بأجمل حلّة، وما يُسمّى بـ"الفلوقات الرمضانية".
"سبق" تُسلّط الضوء على هذه الظاهرة التي تشهدها التطبيقات الاجتماعية في أول أيام شهر رمضان، وقد تحظى بتوثيق البعض طوال 30 يومًا مقبلة، في رصدٍ لجدول السفرة الرمضانية الذي انحصر بين "التباهي والإسراف".
أستاذ الحديث المشارك بالجامعة الإسلامية الدكتور "عبدالرحمن الشمراني" قال: "الإسراف والتبذير عادة مذمومة وصفة من صفات الشياطين، قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) سورة الإسراء (27). وعن أَبي كَريمَةَ المِقْدامِ بن مَعْدِيكَرب ـ رضي الله عنه ـ قال: سمِعتُ رَسُولَ اللَّه ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يقولُ: مَا ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ فَثلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ. رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وأضاف: "الإسراف في إعداد سفرة الإفطار يُعد من الإسراف في إنفاق الأموال وتبديدها دون ضرورة، مما يؤدي بفاعلي ذلك إلى قلة ذات اليد في جوانب أخرى. والمال في الإسلام مال الله أعطاه للإنسان وديعة لينفقه على نفسه وعلى حاجاته وفي سبيل الخير، يقول الله تعالى:(وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)".
وأكد "الشمراني" أن "الإسراف والتبذير عادة قلَّ من يسلم منها خصوصًا في شهر رمضان المبارك، ولا أبالغ إن قلت إن بعض الأسر تجتهد في شراء الطعام والشراب في هذا الشهر الفضيل بكميات هائلة، وتنشغل في إعداد الموائد لساعات طوال، ولا يؤكل من ذلك إلا الشيء اليسير ثم تزدحم مكبات النفايات بالفائض من هذا الطعام، وكان الأولى أن يدّخر المال المُنفق على هذا الطعام لسد جوانب أخرى في حياة المسلم أو يدفع لمن لا يجد ما يسد به رمقه من إخوانه المسلمين".
وأتبع: "التباهي بكثرة الطعام ونوعيته فوق حد المعقول فيه تعالٍ على الآخرين، والتفاخر بكثرة موائد الطعام فيه أذى لهم كذلك، والمال عصب الحياة ومصدر قوة الأمة، والطعام مصدر للطاقة وسد للجوع وفق حاجة الانسان وليس وسيلة للتباهي".
الأخصائية الاجتماعية "حليمة الأحمري"، قالت لـ"سبق": "مع انتشار التطبيقات الاجتماعية، نجد انتشارًا لتصرّفات بدأت تطفو على السطح، كالتباهي بالمأكل والمشرب والملبس، ولا سيما ما يُسمّى بـ"الفلوقات" التي قد تُكلّف المجتمعات فوق طاقتها لأجل المشاركة والتفاعل فيها، رغم كون تلك اللحظات التفاعلية لا تتجاوز ثواني معدودة ولكن بتكاليف تفوق قدرات الأسرة".
وأتبعت: "أصبحنا نفتقر إلى البساطة في العيش، وقد يجعل البعض ذلك ويعتقد بأنها "حرمان"، بينما هي تعني الاعتدال والتوازن وعدم المبالغة و التكلف في المظاهر".
وأضافت: "لا نُعمّم بأن كل ما نُشاهد تباهٍ وإسراف، وشتّان بين الكرم والإسراف رغم كون كل منهما عطاء، ولكن له جانبان، فالأول تُثاب عليه كإطعام الفقير وإكرام الضيف، وأما الآخر من باب البطر والفسق بالنعمة وتُؤثم عليها. وقد تُصنّف من المتكبّرين والعياذ بالله".
وأردفت: "حمّى التسوّق المفرط، تعلو قبيل قدوم رمضان، وقد تُنفق الأسر أضعاف ما تُنفقه في الأشهر الأخرى، وكأنهم في جزيرة نائية وتفتقد لخدمات المأكل والمشرب، وتستعد الأسر لتحضير ما يزيد عن حاجة أفرادها بحجة التنوّع في الأصناف وإتاحة الخيارات أمامهم، وما أسرع الدقائق للشعور بالشبع والاكتفاء الغذائي".
وتابعت: "التوعية تبدأ من الأسرة ويجب الحد من ملاحقة المنصات الاجتماعية التي تجُرُّ بالمجتمعات لعادات مذمومة وستصبح فيما بعد "عادة" لا يفارقونها".
وختمت قائلة: "نعمة صيام شهر رمضان لا تُقدّر بثمن، ومن الواجب علينا كما دعونا الله أن يُبلغنا إياه، أن نقابل ذلك بالشكر والحمد والثناء، وأن نتذكّر بأن التباهي بتصوير السفرة الرمضانية قد يصل عبر التطبيقات الاجتماعية لشتّى بقاع العالم، دون مراعاة لشعور المحتاج والمعدوم ومن يشكي العوز والفاقة، والتعود على المبالغة والتكلّف بجعلك لا ترى جمال الأشياء وقيمتها إلا في ظاهرها وبريقها الخارجي فقط".