ستعيد ترتيب التحالفات وهيكلة الاقتصاد العالمي.. "الساعد": العلاقات السعودية- الصينية بدأت بلقاء عابر في حديقة!

الكاتب الصحفي محمد الساعد
الكاتب الصحفي محمد الساعد

برواية الأمير بندر بن سلطان، يرصد الكاتب الصحفي محمد الساعد كيف بدأت العلاقات السعودية- الصينية بلقاء عابر في حديقة منزل السفير السعودي في واشنطن، لتصل اليوم إلى آفاق كبرى من العلاقات التجارية والأمنية والاستراتيجية المتعاظمة، من بكين شرقًا إلى نيوم غربًا! مؤكدًا أن ما يغرسه خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان، سنلمس نتائجه في المستقبل القريب، بإعادة ترتيب التحالفات في الإقليم والعالم وبناء هيكلة جديدة للاقتصاد والأمن في العالم.

صواريخ رياح الشرق.. بداية الحكاية

وفي مقاله "العلاقات السعودية الصينية بدأت في حديقة!" بصحيفة "عكاظ"، يقدم الساعد رصدًا لتاريخ العلاقة بين العملاقين، السعودية والصين، ويروي قائلًا: "في منتصف الثمانينيات الميلادية 1985 وتحديدًا قبل وصول صواريخ رياح الشرق بثلاثة أعوام (وصلت إلى المملكة في شهر مارس 1988)، كانت الرياض وبكين تقفان في معسكرين متضادين - شرقي وغربي، لا علاقات ولا سفارات ولا حتى رسائل بين البلدين، بل إن السعوديين كانوا على علاقة اقتصادية مع تايوان عدو بكين الأول، إلا أن الإرادة السياسية السعودية وعقلانية القيادة الصينية أثبتتا للعالم كيف تبنى العلاقات القائمة على الاحترام والصدق، وكيف تردم الخلافات للوصول إلى تحالف استراتيجي، تتوّجها زيارة الرئيس الصيني للرياض حاليًا".

رواية الأمير بندر بن سلطان

ويتوقف "الساعد" أمام رواية الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي في واشنطن، ويقول: "لنعد إلى منتصف الثمانينات الميلادية لنتعرف كيف نشأت العلاقات بين السعوديين والصينيين في حديقة؛ وسنسردها على لسان الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي في واشنطن.. يقول الأمير بندر: إن الهاجس الأول لدى الملك فهد بن عبدالعزيز، كان كيفية الحصول على سلاح ردع استراتيجي، أما صواريخ أرض- أرض يصل مداها للأهداف المعادية، أو طائرات قاذفة بعيدة المدى تصل لأعماق بلدان قد تهدد أمن واستقرار المملكة، خاصة بعدما شاهد العالم نتائج الحرب المدمرة إبان الحرب العراقية الإيرانية".

أجواء الحروب في الشرق الأوسط

ويرصد "الساعد" أجواء الحروب في الشرق الأوسط في ثمانينيات القرن الماضي، ويقول: "لعلنا نُذّكر هنا بأجواء الإقليم التي دفعت الرياض للبحث عن سلاح ردع نوعي، ففي العام 1980 اندلعت الحرب العراقية الإيرانية؛ وهي حرب طالت نيرانها الخليج العربي؛ بسبب التعسف الإيراني وفوضى استخدامه للسلاح والمليشيات الإرهابية.. السعوديون وجودوا أنهم محاطون بقوى معادية، إيران شرقًا، واحتلال سوفيتي لأفغانستان مقترب من فضائها الأمني مع وجود فعلي لموسكو في اليمن الجنوبي وأثيوبيا والصومال، إضافة إلى حرب أهلية منفلتة في لبنان، لقد كان الإقليم مضطربًا والرياض في حاجة لسلاح نوعي يعدل ميزان القوى".

طلب الصواريخ من أمريكا

ويتوقف "الساعد" أمام العلاقة مع واشنطن، ويؤكد: "كانت العلاقات السعودية- الأمريكية في أزهى عصورها مع وجود الرئيس رونالد ريغان المتفهم لمكانة الرياض وموقعها في العالم والنتائج المثمرة للتحالف معها.. السعوديون الذين بدأوا في تطوير منظومة تسليحهم كانوا يطمحون في إكمالها بشراء صواريخ بيرشينغ الأمريكية النوعية، وهما طرازان: أحدهما يحمل رؤوسًا نووية والآخر برأس تقليدي، لكن ذلك تعثر بسبب موقف الكونغرس الأمريكي ونفوذ اللوبي اليهودي داخله، الملك فهد لم يكن يريد خسارة حليفه الأمريكي لوعيه بتركيبة الحكم في واشنطن وتقدم رأي الكونغرس على رغبات الإدارة، إلا أن ذلك لم يمنعه من النظر إلى أسواق أخرى توفر البديل الرادع.

استراتيجية الملك فهد للحصول على أسلحة نوعية

ويمضي "الساعد" راصدًا جهود الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- والأمير بندر بن سلطان، ويقول: "قامت استراتيجية (الفهد) للحصول على أسلحة نوعية، على الطلب أولًا وثانيًا من الأمريكيين، مع عدم إحراجهم أو تكبيد الإدارة الصديقة خسارة تصويت الكونغرس، وفي الوقت نفسه إبلاغهم بطريقة مهذبة عن حق بلاده في التسلح من أي مكان في العالم.. خلال زيارة الملك فهد لواشنطن فبراير 1985، وخلال لقائه بالرئيس الأمريكي ريغان استطاع أن يمرر طلب الأسلحة ويثبته في محاضر الجلسة، قائلًا: "يا فخامة الرئيس أريد أن أبحث معك موضوع تسليح المملكة، أنتم تعرفون ما يحدث بين العراق وإيران ومنابع البترول قريبة من تلك المنطقة، ونرغب بأن يكون تسليحنا الاستراتيجي من عندكم وهو يعتمد على شيئين: صواريخ بيرشينغ وطائرات الـ إف 15 E، أو أحدهما. قال ريغان: أنا أؤيدك، لكن يجب أن أكون صريحًا معك، الكونغرس لن يوافق، وإذا أردت سأجرب. قال الملك: لا، لا نرضى أن تخسر أمام الكونغرس بسببنا".. أكمل الملك فهد قائلًا لريغان: "ألا تتفق معي أن من حق أي دولة أن تتخذ ما تراه مناسبًا لحماية أمنها؟"، فرد ريغان بالإيجاب".

صواريخ الصين.. لقاء في حديقة

ويواصل "الساعد" رواية القصة، قائلًا: "بعد الاعتذار الأمريكي، طلب الملك فهد من فريق عمله دراسة خيارات التسليح المتاحة والتي جاءت كلها لصالح الصواريخ الصينية، ولذلك وجّه سفيره في أمريكا الأمير بندر بن سلطان بالتواصل مع السفير الصيني في واشنطن، بدأ الأمير في الإعداد للقاء عفوي من خلال الدعوة لحفل عشاء روتيني في العاصمة الأمريكية يحضره سفراء ونخب سياسية من ضمنهم السفير الصيني في واشنطن (هان شو)، الذي رأس بعثة بلاده في الولايات المتحدة من مايو 1985 وحتى أغسطس 1989م، اللقاء تحوّل إلى أحاديث متفرقة، إلا أن الأمير بندر طلب من السفير الصيني الذهاب في جولة في (حديقة المنزل) بعيدًا عن ضجيج الحفل، خلال الجولة بادر الأمير بندر ضيفه الصيني بطلب مفاجئ دفعه للتوقف لاستيعابه، فالسعوديون حلفاء أمريكا ويقفون على الضفة الغربية من العالم؛ وها هي اليوم تطلب من الصينيين شراء سلاح نوعي، وليس أي سلاح بل صواريخ عابرة قادرة على حمل أسلحة نووية لو أرادت، فضلًا عن رغبة في تطوير العلاقات الدبلوماسية والتجارية".

اللقاء الثاني بالحديقة

ويضيف الكاتب: "السفير الصيني لم يرسل الطلب السعودي إلى بلاده عبر القنوات المعهودة، بل غادر في اليوم الثاني مباشرة إلى بكين، إنها السعودية الحليف الأقوى لواشنطن خارج حلف الناتو وأكبر مصدر ومنتج للبترول في العالم.. بعد 3 أسابيع اتصل السفير الصيني بالأمير بندر الذي دعاه لزيارته والتقيا مرة أخرى في (الحديقة)، قال السفير الصيني: بكين مهتمة بموضوع الصواريخ، لكن لا علاقات بيننا، وهم يقترحون اجتماعًا بينك وبين مسؤول كبير عندهم، لتحديد الموقف بين البلدين، كانت رغبة صينية لتطوير العلاقات وليست بيع أسلحة فقط".

الأمير بندر يغادر في رحلة عاجلة

وحسب "الساعد": "غادر الأمير بندر في رحلة عاجلة للرياض، مبلّغًا الملك فهد بالرد الصيني، لتتسارع الخطوات وتثمر عن مباحثات أولية في باكستان الدولة الحليفة لكليهما تحت غطاء فتح الأسواق الصينية أمام شركة سابك.. وحرصًا من الملك فهد على علاقات متوازنة مع الجميع، طلب من الأمير بندر تقديم طلب رسمي آخر للأمريكان لشراء صواريخ أرض أرض، وإذا رفضت واشنطن يؤكد لهم بأن السعودية ستبحث عن مصادر أخرى، التقى الأمير بندر بن سلطان بالرئيس ريغان ووزير خارجيته جورج شولتز وأبلغهما رسالة الملك فهد الثانية".

لقاء سري في بكين

ويرصد "الساعد" ما حدث بعد ذلك، قائلًا: "تسارعت المباحثات في باكستان قافزة إلى لقاء سري في بكين، ليلتقي الأمير بندر بنائب رئيس الوزراء الصيني، لقاءات مهّدت لبناء علاقات استراتيجية تتجاوز بيع بضعة صواريخ عابرة، وهو ما أكده الأمير بندر خلال المباحثات قائلًا: هناك رغبة لدى القيادة السعودية بخلق علاقات استراتيجية مع الصين، ويجب بناؤها على الثقة.. علاقات بدأت في حديقة صغيرة في بيت السفير السعودي في واشنطن لتصل اليوم إلى آفاق كبرى من العلاقات التجارية والأمنية والاستراتيجية المتعاظمة، من بكين شرقًا إلى نيوم غربًا!".

سنلمس نتائج ما يغرسه الملك سلمان وولي عهده

وينهي "الساعد" قائلًا: "القيادة السعودية، ممثلة في الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، تؤكد بعقدها للقمة الصينية- السعودية، والصينية- الخليجية، والصينية- العربية، أن المملكة دولة مؤسسات، وأنها لا تهرول عبثًا، فما غرسه الفهد وبندر في حديقة السفارة السعودية في واشنطن مع الصينيين منتصف الثمانينيات نحصده اليوم، وما يغرسه الملك سلمان والأمير محمد سنلمس نتائجه في المستقبل القريب، بإعادة ترتيب التحالفات في الإقليم والعالم وبناء هيكلة جديدة للاقتصاد والأمن في العالم".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org