تُعد الأمثال القرآنية واحدة من الرسائل الإلهية لتأكيد معنى أو بيان غاية، ولأهمية ذلك كان بعض السلف يبكي إذا قرأ مثلاً ولم يفهمه، ويقول: "لست من العالمين"، والمتدبّر لهذه "الأمثال" يُدرك مدى استمرار بعضها في عظات وتحذير الكفار مما يقومون به من الإعراض عن الوحي وانغماسهم في اللهو والعصيان.
"سبق" وعبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، تستضيف طوال الشهر الكريم، الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضاً من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.
بدأ ضيفُ الحلقة "الذكري" حديثه، بقوله تعالى: "وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ". أشار "الضيف" في حديثه عن هذه الآية، أن القرآن يستمر في عظاته وتحذير من الكفر بالله، ضارباً لأمثال توجب الفرار منه ودروبه المشينة، فتارة بذكر هوانهم على الله، وأخرى في انقطاع الرجاء بغير الله؛ وهنا يُحذِّر أشد تحذير من الإعراض عن الوحي وأخذ منافعه.
وأضاف "الذكري"، مستشهداً بما قاله القرطبي - رحمه الله - عن هذا المثل" شبه - تعالى - واعظ الكفار وداعيهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالراعي الذي ينعق بالغنم والإبل فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه، ولا تفهم ما يقول".
ولخّص الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية عدداً من الفوائد المستنتجة، قال منها: إن ميزان تمام العقل الصحيح هو الذي استجاب للوحي فجمع الذكاء والزكاء.. ذكاء معرفة الحق في التأمل بآيات الله الكونية والشرعية، شاكراً نعمة الله عليه بالاهتداء لهذا، مُتبِعاً لها التأمل والتفكر، فرزقه الله الزكاء والصفاء في عقيدته، فكانت نعمة الذكاء والزكاء، وأما فاقد الزكاء فلا ينفعُه الذكاء الدنيوي، بل هو في رد الحق وعدم الاهتداء به، قاصر الذكاء، ولهذا تكرّر في القرآن قوله تعالى "أفلا تعقلون".
وأتبع "الذكري" حديثه عن الفوائد القرآنية: الإعراض عن نصوص الوحي عمى، وهو أخطر فالعمى الحسي يمنع من رؤية مخلوقات ستزول، والعمى المعنوي بعدم الايمان يمنع من رؤية الحق، والعمى الحسي وسيلة لكسب الثواب لمن صبر، والعمى الأخر سبيل إلى غضب الله"، حيث قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ".
وختم، بقوله: شرط صحة عقل الهدى العمل به، وثمرته "وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ". مستشهداً بما قاله الرازي - رحمه الله - "أعلم أنه لا مقصود للإنسان إلا وراء هذين الأمرين: الخلاص من العذاب والوصول إلى الثواب، فبيّنَ تعالى أنَّ من وصل إلى هذين المطلوبين فقد فاز بالمقصد الأقصى، والغاية التي لا مطلوب بعدها".
وأضاف في خاتمته: كما أن عدم الاستماع للهدى إعراض؛ فإن ترك العمل به إعراض كذلك، وأي إعراض!؟ خيبة وخسارة.