" كل من كان من العلماء في هذه الديار أو من موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذوي راتب معين، فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئاً إلا رجلاً أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه فذلك ممنوع مما كان له من قبل".. هذه الكلمات التاريخية تعود لمائة عام لمؤسس هذه البلاد المباركة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - حينما دخل مكة المكرمة.
ويروي الباحث في التاريخ والسيرة النبوية، وأحد كبار المطوفين بمكة المكرمة، سمير برقة، لـ"سبق" عن مراحل الطوافة والمطوفين على مرّ مائة عام مضت بما لا يدعو للشك أن الدولة السعودية منذ تأسيسها وحتى عصرنا الزاهر، يولون مهنة الطوافة وأربابها كل عناية واهتمام وتنظيم حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن من تطور في الخدمات المقدمة لحجاج وزوار بيت الله الحرام.
وقال المطوف " برقة ": لم تحظ مهنة الطوافة؛ التي تهتم بخدمة الحاج منذ وصوله لمكة ولحين مغادرته من نسك واستقبال وإشراف ومتابعة وسكن وتقديم خدمات المشاعر المقدسة مع الإشراف على تأمين وسائط النقل والرعاية الصحية ومتابعة أحوال الحاج؛ برعاية وعناية واهتمام وتنظيم بمثل ما اهتمّت بها الدولة السعودية بدء بمؤسس كيانها وباني أركانها الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - وأبنائه من بعده، فمنذ دخول المؤسس مكة المكرمة أعلن وأصدر أمراً سامياً عُرف ببلاغ مكة المكرمة.
واستعرض " برقة " التسلسل الزمني والبلاغات والأوامر السامية والأنظمة والقرارات واللوائح التي تثبت أن الدولة السعودية ومنذ بدايتها وتأسيسها وحتى عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - يولون هذه المهنة وأربابها كل عناية واهتمام وتنظيم.
بلاغ مكة
في 12/ 5/ 1343هـ أعلن المؤسس بلاغاً سامياً حينما دخل مكة المكرمة جاء فيه: كل من كان من العلماء في هذه الديار أو موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذي راتب معين فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئاً إلا رجلاً أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه فذلك ممنوع مما كان له من قبل".. وهذا هو أصل أصيل في الحفاظ على المهنة.
واجبات المطوفين
في ١٣٤٥ /٣ /٢٠هـ صدر نظام إدارة الحج الذي حدد مهام وواجبات المطوفين والزمازمة والمخرجين والمقومين ووكلاء المطوفين بجدة ونقباء جدة ووكلاء المدينة المنورة، وفي تاريخ ١٣٤٧ /١ /٢٣ تم إنشاء مدرسة لتعليم المطوفين وأبنائهم المناسك على المذاهب الأربعة وعين لها ما لا يقل عن 30 مدرساً وعالماً من علماء المسجد الحرام.
أعمال الطوافة
في تاريخ ١٣٥٥ /٢ /٢٣هـ صدر مرسوم ملكي بتنظيم أعمال المطوفين وتحديد مهامهم ومسؤولياتهم عقبه في تاريخ ١٣٦٥ /١٠ /٢١ صدور مرسوم ملكي بالموافقة على نظام وكلاء المطوفين ومشايخ الجاوا، وفي ذات العام تم إنشاء المديرية العامة للحج لتنظيم عملية خدمات الحجاج ومن مهامها استقبال الحجاج وتيسير إجراءات إقامتهم وسكنهم وتنقلاتهم وإنشاء مخيمات لاستراحة الحجاج في جدة والمدينة المنورة.
الطوافة مهنة
في تاريخ ١٣٦٧ /١١ /٣هـ صدر مرسوم ملكي مصادق على نظام المطوفين العام معتبراً الطوافة «عبارة عن وظائف معينة يؤديها كل مطوف بمقتضى تعليماتها المخصوصة، وهو دليل الحاج في مناسكه وجميع ما يتعلق بالحج، وهو المسؤول عنه ضمن اختصاصه بموجب هذا النظام»، واستبقى النظام على تقسيم المطوفين إلى ثلاث طوائف هي: طائفة المطوفين وتشمل: مطوفي العرب والفرس والأتراك والأفارقة. وطائفة مطوفي الهند والباكستان. وطائفة مشايخ الجاوا. وفي عام ١٣٦٨ هـ أصبحت الطوافة مهنة تكتب في طلبات السفر إلى الخارج؛ وأصبح بحكم النظام " كل نسل المعلمين لظهورهم "معلمون" وما كان لآبائهم يكون لهم" وشهد هذا العام خروج الكثير من المطوفين للخارج للقيام برحلات إلى البلدان الإسلامية.
إلغاء الرسوم
في عام ١٣٧١ هجري صدر مرسوم بإلغاء الرسوم التي كانت تؤخذ على الحجاج كرسوم للحج وإبقاء عوائد أرباب الطوائف (المطوفون والوكلاء والأدلاء والزمازمة). وفي العام الذي تلاه صدر الأمر السامي بتنظيم وتطوير المديرية العامة للحج.
نظام السؤال
في تاريخ ١٣٨٥/٥/٩ هـ صدر مرسوم ملكي بحل التقارير وإلغاء هيئات المطوفين الثلاث ومنح الحاج الحرية في السؤال عن المطوف الذي يريده وأحقية المطوف في خدمة الحجاج الذين يسألون عنه بما عرف بنظام السؤال. وقد تم توضيح وتحديد اختصاصات مكاتب الطوائف وهيئاتها من خلال إنشاء الهيئة العليا للطوائف والهيئات الابتدائية للمطوفين والوكلاء والزمازمة والإدلاء، وفي ١٣٨٥/١٢/٢٧ هـ، صدر قرار مجلس الوزراء رقم 54 بإصلاح وتطوير هيئات الطوائف وخدمات الحجاج.
نظام التوزيع
في عام ١٣٩٥ هجري ألغي نظام السؤال الذي جاء في ١٣٨٥/٥/٩ هجري، حيث صدر مرسوم ملكي بحل التقارير وإلغاء هيئات المطوفين الثلاث ومنح الحاج الحرية في السؤال عن المطوف الذي يريده وأحقية المطوف في خدمة الحجاج الذين يسألون عنه بما عرف بنظام السؤال، وأبدل بنظام التوزيع حيث صنف المطوفون إلى فئات هي: مطوفو الدول العربية، ومطوفو تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا، ومطوفو الهند والباكستان، ومطوفو إيران، ومطوفو إفريقيا غير العربية، ومطوفو جنوب شرق آسيا، ووزع لكل مطوف متوسط يمثل عدد من يخدمهم من الحجاج، وحدد سقف أعلى بـ ٣٠٠٠ حاج وحد أدنى بـ ١٠٠ حاج.
مؤسسات تجريبية
في عام ١٣٩٨ هجري تم تطبيق نظام يحق للمطوف الجمع ما بين السؤال والتوزيع فالحاج له حرية السؤال عن المطوف الذي يريده وحدد للمطوف عدد من الحجاج يقوم بخدمتهم، والترخيص لوزير الحج والأوقاف حينها بوضع اللوائح التنظيمية التي يتم بموجبها منح الرخص الجديدة، متضمنة شروط قيام مؤسسات الطوافة الجديدة طبقاً للأنظمة التجارية وفتح باب الانفصال وفي العام الذي تلاه جاءت الموافقة على إقامة مؤسسات تجريبية لرفع مستوى مهنة الطوافة وخدمات الحجاج.
وفي تاريخ ١٤٠٢/١١/٣ صدر قرار وزاري تضمن اللائحة التنظيمية للانفصال بين الشركاء في الطوافة تمهيداً لإنشاء ما يعرف بمؤسسات الطوافة التجريبية، عقبه في ذات العام إنشاء المؤسسة التجريبية الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا، ومن ثم إنشاء المؤسسة التجريبية الأهلية لمطوفي حجاج إيران، والمؤسسة التجريبية الأهلية لمطوفي حجاج جنوب آسيا، وكذلك القرار الوزاري بإنشاء مؤسستين هما المؤسسة التجريبية الأهلية لمطوفي حجاج الدول الإفريقية غير العربية والأخرى المؤسسة التجريبية الأهلية لمطوفي حجاج جنوب شرق آسيا،، ثم إنشاء المؤسسة التجريبية الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية.
رسملة المؤسسات
في عام ١٤٢١ هجري صدر قرار مجلس الوزراء بإلغاء صفة التجريبية من مؤسسات الطوافة الست وتثبيتها وعلى أن يكون لها الصفة التجارية وبدأت تخوض غمار مرحلة جديدة وصولاً لنظام مشروع رسملة المؤسسات وتحويلها إلى شركات.
ندوة الطوافة
في تاريخ ١٤٣٥/٢/٢٢ هجري أقامت ندوة لمدة يومين بعنوان: " الطوافة والمطوفين " برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان ولياً للعهد نائب رئيس مجلس الوزراء, وزير الدفاع, والتي نظمتها جامعة أم القرى ممثلة في كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ مكة المكرمة بالشراكة مع إمارة مكة المكرمة ووزارة الحج، حيث كانت أهم محاورها التسع هي؛ مفهوم الطوافة ونشأتها التاريخية، والتطور التاريخي للطوافة في العهد السعودي، وأنظمة الطوافة و مدلولاتها التاريخية، وعناية المملكة العربية السعودية بالطوافة والمطوفين، والطوافة في كتب الرحالة، والوثائق التاريخية الخاصة بالطوافة والمطوفين، وآثار الطوافة على المجتمع المكي اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.
وهدفت الندوة إلى خدمة تاريخ مكة المكرمة من خلال العناية بالطوافة والمطوفين، وتدوين تاريخها، وإثراء الفكر التاريخي بالدراسات التاريخية الخاصة بالطوافة، وتسليط الضوء على ماهية الطوافة وتاريخها وأخلاقياتها، وإيضاح جهود المطوفين في خدمة حجاج بيت الله الحرام، وإبراز دور المطوفين في الحياة العامة بمكة المكرمة، وإبراز جهود المملكة العربية السعودية في العناية بالطوافة والمطوفين وتطويرها خدمة الحجاج، وإبراز أثر الطوافة في المجتمع المكي اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.
وختم " برقة " تصريحه بقوله: يتضح جلياً من خلال الاستقراء والاستعراض السريع مدى عناية واهتمام ملوك هذه الدولة بالاهتمام بخدمة حجاج بيت الله الحرام من خلال تطوير منظومة الحج ومنها الطوافة والمطوفون من خلال مؤسساتها وأربابها، مشيراً إلى أنه نشأ على هذه المهنة الجليلة وتشرف بمساعدة والده بخدمة حجاج بيت الله الحرام في عمر الـ 15 عاماً، ورافق والده في بعض رحلاته لبعض دول القارة الإفريقية، لافتاً إلى أنه تعلم منه التفاني في خدمة حجاج بيت الله الحرام والتعلق بأخلاقياتها.