تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي في خطبة الجمعة اليوم عن العبرة بقصص القرآن، موصيًا المسلمين بتقوى الله عز وجل سرًا وجهرًا.
وقال: "في القرآن الكريم قصص تحمل العبر والعظات، وقد قص الله علينا قصة الخلق الأول آدم عليه السلام وزوجه حواء، تلك القصة التي تجسد فيها الصراع مع الشيطان، هذا الصراع الذي تنامى ومضت سنة الله أن يبقى ما بقي بنو آدم وعدوهم إبليس حتى يرث الله الأرض ومن عليها، تكرر ذكر هذه القصة في مواضع عدة من القرآن لما اشتملت عليه من مقاصد جليلة وعظات بليغة قال الله تعالى: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}.
وأضاف: "الله تعالى أباح لخلقه الطيبات ووسع عليهم في المأكل والمشرب فاتسعت دائرة الحلال وضاقت دائرة الحرام، ومع ذلك تغلب النفس الإمارة بالسوء صاحبها فيستشرف للممنوع ويتخطى حدود المباح، فيحوم حول الحمى ويعظم كيد الشيطان ووسوسته فيرتكب المنهي عنه، ولذا لما قال الله لهما: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}، نهى عن قربانها سدًا لذريعة الأكل منها الذي هو مقصود النهي، ولم يزل الشيطان بآدم يدلي بغرور ويوسوس بمكر ويقسم بغدر حتى ذاق الشجرة، ومنها جاءت دعوة الحق إلى سلوك المنهج الوقائي بالتحذير من القرب من حمى الحرام صيانةً للنفس وتحصينًا للأخلاق وحمايةً للمجتمع وتربيةً للوقوف على حدود الله.
وأشار "الثبيتي" إلى أن الوقوع في الشرك لا يقع إلا بالاقتراب من وسائله التي نهي الله عنها وما وقع من وقع في البدعة إلا بتساهله بالجلوس إلى أهل البدع ومطالعة كتبهم والركون إليهم، وما استمرأ أحد الكبائر إلا بوقوعه في الصغائر وإصراره عليها، منبهًا إلى أن التقنية الحديثة وسيلة يتوصل بها المقصود شريفًا كان أم وضيعًا، فيوشك من يحوم حول الحمى ويخلو بها ويفارقها أن تذهب بصلاته وأخلاقه ووقته وتتبدل الطاعة بالمعصية والأنس بالله بوحشة القلب.
وأوضح أن الآيات علمتنا أن من اقترب مما نهى الله عنه فضلا عن ارتكاب المقصود بالنهي فهو ظالم لنفسه {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}، وقد يظلم المرء نفسه بالوقوع بالشبهات المفضية للمحرمات في المطعم والمشرب والملبس وفي حقوق الوالدين والأرحام وفي الأموال والمعاملات وما يشوبها من ربا وغش واختلاس.
وحذر الثبيتي من وسوسة الشيطان الذي يقعد لابن آدم كل مرصد ولن يقلع عن طبعه الذي جبل عليه من عداوة البشر يزين الباطل، ويهون المعصية، ويجمل الاسترسال في العلاقات المحرمة بين الجنسين، ويحقر في أعين الخلق ما هو عظيم عن الله، ويشكك في الثوابت والعقيدة، فالمعصية تنتهك ستر ما بين الله وعبده، وإذا ذهب الستر انكشفت السوأة.