قصة إذاعة "الطامي" التي جذبت السعوديين قبل 60 عامًا

تروي تزامنًا مع حلول اليوم العالمي للاحتفال بالإذاعة
قصة إذاعة "الطامي" التي جذبت السعوديين قبل 60 عامًا

يحتفل العالم اليوم باليوم العالمي للاذاعة، وفقًا لقرار منظمة اليونسكو، الذي حدد هذا تاريخ 13 فبراير تزامناً مع ذكرى إطلاق إذاعة الأمم المتحدة في 1946م .

وفي المملكة، ورغم تنوع التجارب الإذاعية الحكومية والخاصة، تظل تجربة "إذاعة طامي" إحدى التجارب الهامة في عالم الإذاعة والتي انطلقت منذ قرابة 60 عامًا، وأسست لتجربة إذاعية متفردة .

وتعتبر إذاعة "طامي" والتي اشتهرت في ثمانينات القرن الهجري الماضي، أول إذاعة أهلية في المنطقة الوسطى بالمملكة رخّص لها مجلس الوزراء في عهد الملك سعود، وبدأت بثها من العاصمة الرياض عام 1381هـ واستمرت أقل من ثلاث سنوات .

ووفقًا لكتاب "إذاعة طامي العويد من الرياض"، فقد أسس هذه الإذاعة عبدالله بن سليمان الطامي العويد المولود في بريدة عام 1341 هـ، حيث حفظ القرآن صغيراً وسافر للعمل إلى الشام مع تجار العقيلات، وتعلم أعمال اللاسلكي، والإلكترونيات فولع بها، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية عاد إلى السعودية بعد 8 سنوات في الغربة.

عودة للوطن

وبعد العودة استثمر "طامي" خبرته الفنية حين عودته إلى بلاده وأراد أن يفتح ورشة لإصلاح الراديو، إلا أن تشدد المجتمع آنذاك تجاه هذا الجهاز العجيب وأد المحاولة.

وقد قُدرت حينها أعداد أجهزة المذياع في المملكة ب 7 آلاف جهاز، ويملك أغلبها أثرياء مكة، وكانت تتقاضى الدولة ضريبة قيمتها 10 ريالات على المذياع قبل أن يوجه الملك عبدالعزيز بإلغائها.

أول ورشة إصلاح إذاعي

وفي موسم حج 1371هـ اتجه "طامي" إلى مكة المكرمة لأداء الحج، حيث دشن أول ورشة لإصلاح الراديو والمسجل بالمملكة، وكانت إذاعة مكة لا يتجاوز حدود بثها 100 كلم، ثم عاد "طامي" للرياض وقرر تدشين إذاعته الأولى وكانت في شقة شارع الوزير بالرياض (يقع الآن في وسط الرياض) ووضع المرسلة الإذاعية على أعلى شجرة لتصل إلى أبعد مدى ممكن.

وفي أول تجربة لبث إذاعته.. ذهب بسيارته ليكتشف مداها فوصل حتى مدينة ضرما، ثم اتجه للجنوب والشرق ووصل إلى مشارف محافظة الخرج وكان صوت الإذاعة مسموعاً.

وبعد فترة قصيرة من البث، خشي طامي من الرفض الحكومي مع انطلاق إذاعة رسمية بالرياض والتقى الملك سعود وأبلغه بعمله فشجعه وأثنى عليه ومنحه سيارة وخمسة آلاف ولبى طلبه بالحصول على موقع شاهق ليتمكن من الوصول لكافة مدن المملكة.

مفقودات ومكافأة

وكان العويد "طامي" في تلك المرحلة التاريخية هو المذيع والمخرج والمعد، في الإذاعة التي تبث 4 ساعات تقريباً من بعد صلاة العشاء. وكانت برامجها بسيطة الإعداد ويقدمها بعفوية ودون تقيد بالوقت، وكان يستهلها بالأخبار المجمعة من الإذاعات والصحف المحلية واشتهر في تقديم الأخبار بعبارته (يقرؤها لكم أنا)، وكانت الإذاعة تعلن عن فقد محفظة أو ولد أو بقرة أو ورقة وثائقية وغيرها وعلى من يجدها أن يسلمها إلى مقر الإذاعة.

وكان من يأتي بالمفقودات يكافئه المذيع "طامي" بهدية إذاعية باسمه كأن تكون أغنية باسمه، لذلك تسابق الشبان على هذه المكافأة.

ولعل النقلة النوعية للإذاعة عند نقله لنهائي كأس الملك بين الهلال والوحدة عام 1381، وبصوت المعلق الشهير "محمد رمضان"، كانت حينها الإذاعة تغطي المملكة وبعض الدول المجاورة.

إعجاب الجمهور

ولم تتوقف الإذاعة على التغطيات الخبرية فقط، فنجحت الإذاعة في كسب ثناء المجتمع، بعد مراقبتها للأسعار، وفضح التجار المتلاعبين بها، ونالت إعجاب الشعراء وقال الشاعر سليمان بن حاذور:

يا ليت طامي ما فتح له إذاعة

ولا شغف بعض المخاليق بغناه

غطى على (صوت العرب) باستماعه

كلن يدور موجته لين يلقاه

ومع انتشار الإذاعة بلغت تغطيتها قرابة 10 ساعات يومياً، واضطر لتوظيف شخصين لاستقبال المواطنين وفرز البريد الوارد إليها.

وكان أبرامج الإذاعة "ما يطلبه المستمعون"، حيث استحوذ على 50‎%‎ من بثها اليومي، وفيه يقرأ "طامي" طلبات مستمعيه، ويناقش قضايا مجتمعه.

فتاوى ابن باز

وقد اهتمت "إذاعة طامي" بالجانب الديني فنقلت العديد من الفتاوى للشيخ ابن باز، ونجحت في نقل أول خطبة جمع للشيخ القاضي عبدالعزيز بن زاحم من مسجد الحسي، وفتحت الإذاعة أبوابها للفن واستضافة عدد من الفنانين القدامى، مثل عبدالله السلوم، شادي الرياض، وغيرهم ممن تنوعت أعمالهم بين الإنشاد والغناء.

وكان الفنان المعروف طارق عبدالحكيم يبعث بإصداراته الجديدة لتبث عبر أثيرها، أيضاً كانت هناك عدد من الفواصل التمثيلية قدمها الفنان المعروف عبدالعزيز الهزاع قبل انتقاله للإذاعة الرسمية.

وفيما يخص الجانب التعليمي، كانت الإذاعة تعلن أسماء الناجحين نهاية العام، وكان لها صدى شعبي كبير، وكانت المدارس تتسابق، أعدادها آنذاك 630 مدرسة بالمملكة، لتسليم نتائجها لطامي ليعلنها، وهو ما يمنح الطلاب فرحة غامرة.

والغريب أن أحد قيادات التعليم أصّر على طامي، بضرورة إعلان أسماء الراسبين، وكانت النتيجة تحطيم سيارته لمرتين وعندما علم الملك سعود عوضّه بدلاً منها بسيارة من نوع "أمبريال".

التوقف

وفي عام 1383هـ توقفت الإذاعة ورغم أن التوقف لم يكن طويلاً، إلا أن "طامي" أعاد بثها وتخصص في بث الإعلانات التجارية فقط، ولكن شعبيتها تضاءلت ما اضطره لإغلاقها في نهاية الأمر.
وترك "طامي" الذي استمر ممارساً لحياته الطبيعية، ومتنقلاً في العمل في عدة مواقع والذي توفي عام 2000م، إرثاً إعلامياً سبق به أبناء جيله، ودوّن تاريخاً لن ينساه المهتمون.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org