الداخلية.. وخلل "الثامنة" مع المولد!!

الداخلية.. وخلل "الثامنة" مع المولد!!
تم النشر في
الإعلام لعبة سهلة ممتنعة، وسلاح فعال لمواجهة الانحراف الفكري والعقدي!! إلا أن هذا السلاح يمكن أن يرتد على صاحبه إذا لم يحسن استخدامه بمهنية وحرفية؛ فيضره، ويضر رسالته التي أراد إيصالها للمجتمع، وخصوصاً إذا أخذ منحى الإثارة الإعلامية غير المنضبطة.
 
معظمنا شاهد المقابلة التي أجراها الإعلامي داوود الشريان في برنامج "الثامنة مع داوود" مع الموقوف خالد المولد، نسأل الله له الهداية والرشاد. ولعل معظمنا قرأ الكثير من تباين التعليقات التي نشرت في الصحف أو منصات الإعلام الاجتماعي حول هذا اللقاء.
 
وبداية، دعونا نتفق على أن تعرية الفكر المتشدد من خلال الإعلام يمثل إحدى المسلَّمات لمواجهته، إلا أن ذلك يجب أن يتم وفق استراتيجيات وأطر مبنية على أسس علمية مدروسة، وبطرق مبتكرة، بعيدة عن الارتجالية والاجتهادات الفردية؛ لأن الخطأ هنا قد يكون فادحاً، ويضعف موقفك أمام الصديق قبل العدو!!
والآن نعود لتلك المقابلة، ونرى هل تم تنفيذ هذه المقابلة وفق منهجية مدروسة؟ وهل تم اختيار المحاور بطريقة مهنية مقنعة للمتلقي، تكشف خبايا الفكر المتطرف؟ وخصوصاً إذا كنا نستهدف فئة المتشددين أو المتعاطفين معهم؟ والأهم من ذلك كله: هل الشخصية التي تم مقابلتها تمثل فعلاً فكر شريحة واسعة من فئة المتشددين؟
دعونا نبحث أولاً في المحاور. من الملاحظ أن جزءاً كبيراً من الحلقة وُجِّه لقضية وجود قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه - رضوان الله عليهما - في المسجد النبوي، وأن هذا شرك؛ يستدعي تكفير الحكومة والمجتمع السعودي لرضاهم بذلك، وفقاً لمنظور الموقوف.
 
هنا نسأل أنفسنا: كم عدد المتشددين والمتطرفين الذين يتبنون هذه الفكرة؟ تكمن المشكلة في أن الإفراط المستميت والمستفيض في مناقشة هذه المقولة من قبل المحاور يعطي قناعة لدى المشاهد بأننا نتحدث عن حالة فردية شاذة لشخص يظهر عليه اختلالات فكرية، ويتبنى فكراً خاصاً به، لا تأثير عليه من الجماعات المتشددة، ولا ينطبق على بقية المتطرفين. وهنا حصل ما يمكن تسميته بـ"العزلة الذهنية" لدى المتلقي بين شخصية المولد وبقية المتشددين. وهنا تكون أهداف الحلقة قد انهارت على نفسها!!
وبلا شك، فقد أهمل مقدم البرنامج التركيز والنقاش في قضايا أكثر أهمية وحساسية، وأكثر انتشاراً وإيماناً لدى فئة المتطرفين، التي تكشف لنا زيف فكرهم وعقائدهم. 
 
شق آخر في هذه المقابلة، وخلل يسيء للحلقة ولمن أسهم في السماح لهذا الموقوف المتشدد بالظهور إعلامياً، هو أسلوب النقد اللاذع من قِبل المحاور، الذي وصل في العديد من الأحيان إلى السخرية والازدراء بطريقة لا تنم عن قدرة في الحوار ومقارعة الحجة بالحجة، عوضاً عن الأسلوب الاستفزازي والفكاهي الذي استخدمه المقدم مع ضيفه في مَوطن لا يجب أن تكون للفكاهة فيه موضعٌ!!
ومن المعلوم في أدبيات الإعلام أن هذا الأسلوب يفقد المحاور ثقته ومصداقيته وحجته لدى المتلقي، ويفتح أمامه أبواباً من النقد، والظهور بعدم القدرة على إدارة الحوار، وإضعاف موقفه، وربما تعزيز موقف الرأي الآخر. وهنا تحدث "العزلة الذهنية" الثانية لدى المتلقي!! 
أما اختيار شخصية خالد المولد للظهور في البرنامج، الذي يفترض منه أن يُمثل حقيقة المتشددين من ذوي الفكر الضال، ففي اعتقادي أنه لم يكن اختياراً موفَّقاً؛ فقد ظهر في حديثه الكثير من التضارب؛ فهو يقول إنه ذهب لإريتريا قبل ظهور القاعدة!! ثم ليس له ارتباط قوي ومباشر بالقاعدة!! وربما لم يشارك فعلياً في عمليات القاعدة!! وينتقد الفكر الداعشي بأسلوب قاسٍ على غير المعهود من هذه الفئة؟!! كما يرى المشاهد في شخصيته تمسكاً بقضية جانبية، تتعلق بقبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لا تمثل همًّا ولا فكراً استراتيجياً للقاعدة ولا داعش، ولا غيرها من الحركات المتطرفة؟!! فما الذي سيتشكل في ذهن المتلقي من هذه المعطيات؟!! بلا شك ستجعل الحلقة تحيد عن هدفها الأساسي.
 
إذاً، ما الفائدة من هذه الحلقة إذا أُفرغت من أهدافها، ولم يتم إدارة محاورها بطريقة احترافية؟ ولم توفَّق في اختيار الشخص المناسب؟!
دعوني أوجِّه عتبي هنا إلى الإخوة في وزارة الداخلية؛ فلعلهم في المرات القادمة يعطون مزيداً من الاهتمام عند السماح بظهور الموقوفين لديها في مثل هذه المقابلات التلفزيونية، وأن يكون لهم دور جوهري لضمان نجاح مثل هذه المقابلات التلفزيونية التي يشاهدها الملايين في تحقيقها لأهدافها، التي قد تنعكس سلباً على سمعة الجهات الأمنية والمجتمع كله إذا لم تُدَرْ بشكل إعلامي احترافي. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org