راصدًا الريادة الوطنية في مجال التقنية.. "الشعلان": الذكاء الاصطناعي سيضيف حوالى 215 مليار دولار إلى اقتصاد المملكة عام 2035م

عبدالله الشعلان
عبدالله الشعلان
تم النشر في

يرصد الكاتب الصحفي أ.د.عبدالله محمد الشعلان، الأستاذ في جامعة الملك سعود، ريادة السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي؛ مؤكدًا أنه منذ أن أُعلن 2016م عن انطلاق رؤية المملكة 2030 والمملكة تعيش في حالة من "الانتعاش التقني"؛ وذلك في الجانبين المعرفي والتطبيقي في كل القطاعات الحكومية والخاصة، ويرجع ذلك إلى التبني الواضح والقوي لاستراتيجيات التحول الرقمي التي ستنقل المملكة ومجتمعها -بإذن الله- نحو مرتبة متقدمة ضمن مجموعة الدول والمجتمعات الرقمية الحديثة المتطورة؛ راصدًا أن يضيف الذكاء الاصطناعي والحلول المستندة إليه حوالى 215 مليار دولار إلى اقتصاد المملكة بحلول عام 2035م؛ وذلك حسب دراسة صادرة عن شركة "Accenture" العالمية.

تعريف الذكاء الاصطناعي

وفي مقاله "ريادة وطنية في الذكاء الاصطناعي" بصحيفة "الرياض"، يقول "الشعلان": مصطلح "الذكاء الاصطناعي" أصبح يتردد أمام أبصارنا ويرن في أسماعنا يومًا بعد يوم، ففي موجة هذا التقدم التقني الهائل، وفي ظل عصر تهيمن فيه المعلومات والبيانات على كثير من العمليات والحلول والتقنيات؛ أصبح مصطلح الذكاء الاصطناعي منتشرًا في كل المواقع والأخبار والمنصات، ومنذ أن أُعلن 2016م عن انطلاق رؤية المملكة 2030 والمملكة تعيش في حالة من "الانتعاش التقني"؛ وذلك في الجانبين المعرفي والتطبيقي في كل القطاعات الحكومية والخاصة، ولعل ذلك يرجع إلى سبب بسيط؛ ألا وهو التبني الواضح والقوي لاستراتيجيات التحول الرقمي التي ستنقل المملكة ومجتمعها -بإذن الله- نحو مرتبة متقدمة ضمن مجموعة الدول والمجتمعات الرقمية الحديثة المتطورة.

لقد أحست المملكة أنه لا يمكن تجاهل الذكاء الاصطناعي بوصفه أحد عوامل التمكين الرئيسية في طريق تحقيق رؤية 2030، وتسعى المملكة جاهدةً إلى تعزيز القدرات وتجهيز البنية التحتية وتدريب الفِرَق العاملة حتى تكون لديها المقدرة على مواكبة وإدارة الخدمات والمنتجات الناشئة عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي وعملية التحول الرقمي.

لقد ألهمت فكرة إنشاء حواسيب ذكية تحاكي ذكاء الإنسان، العديدَ من العلماء والباحثين منذ بداية ظهور الحواسيب الرقمية إبان الثورة الصناعية الثالثة، ومع أنه لا وجود لتعريف متفق عليه للذكاء الاصطناعي؛ إلا أن أحد قواميس اللغة يعرّف الذكاء الاصطناعي بأنه أحد المجالات المستجدة في علوم الحوسبة الذي يهتم بتطوير الأنظمة والبرمجيات التي تُظهِر عمليات وسلوكيات تضاهي وتحاكي وتجانس أعمال البشر في التفكير والتدبير والترتيب والتنظيم وتأدية الأعمال وإنجاز المهمات ولكن بزمن أقل وكفاءة أعلى وإنجاز أدق".

أهداف واستخدامات الذكاء الاصطناعي

وعن الأهداف الكبرى والاستخدامات لتقنية الذكاء الاصطناعي، يقول "الشعلان": ويهدف الذكاء الاصطناعي إلى تصميم وبناء الحواسيب التي يمكنها تنفيذ مهام تتطلب التفكير الذكي واتخاذ القرارات الدقيقة الصائبة لتصل إلى درجة تستطيع فيها أن تتفاعل وتمارس عمليات معقدة تضاهي وتحاكي وتجانس أعمال الإنسان العادي دون تدخل مباشر منه؛ إذ تستطيع تلك الحواسيب التفكير والتفاعل مثل الإنسان، وأن تتصرف بعقلانية تضاهي عقلانية البشر.

ويتم استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، مثل تطبيقات الروبوتات، والترجمة الآلية، وتشخيص الأمراض، والتحليل المالي، وتحسين عمليات الإنتاج والتصنيع، وغير ذلك من المهام المتعددة.

كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في حل مشكلات معقدة وتحسين الكفاءة واتخاذ قرارات أفضل في العديد من المجالات، ولكن هنا لا يجب إغفال القضايا الأخلاقية والقانونية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل الخصوصية والأمان وتأثيره على سوق العمل والتوازن بين الإنسان والآلة.

لذلك فلا ريب أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دورًا جوهريًّا ومركزيًّا في تحقيق رؤية المملكة 2030؛ فهو العنوان الأبرز والحاضر الأقوى في مواضيع وعناوين كثيرة مثل: بناء المدن الذكية، وإنترنت الأشياء، وأنظمة المساعدة الشخصية وروبوتات خدمة العملاء، والدردشة الآلية، والأنظمة الخبيرة، وأنظمة التشخيص الطبي، والرؤية الحاسوبية، وأنظمة التفاعل الصوتي، وغيرها من المواضيع العديدة الأخرى.

وجميع التوجهات السابقة التي ذُكرت والتي لم تُذكر، تمثل حالات وحاجات واقعيةً موجودةً في حياة المجتمع السعودي تدعو الحاجة إلى وجودها وتطويرها وتحسينها بشكل متوالٍ ودائم في مجالات متنوعة مثل التعليم والرعاية الصحية والزراعة والطاقة والاقتصاد والنقل والأمن، وهذا يعني في النهاية حضورًا قويًّا للذكاء الاصطناعي، وأنه أحد مرتكزات التحول الرقمي الذي تسعى المملكة إلى تحقيقه وإنجازه".

أجندة المهارات الرقمية في المملكة

وعن أجندة المهارات الرقمية في المملكة، يقول "الشعلان": "ولقد ذكرت إحدى الدراسات الصادرة عن شركة Accenture وهي شركة عالمية توفر خدمات استشارية واستراتيجية ورقمية وتقنية وخدمات التشغيل لدعم الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي وتعزيز أجندة المهارات الرقمية في المملكة، أن من المتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي والحلول المستندة إليه حوالى 215 مليار دولار إلى اقتصاد المملكة بحلول عام 2035م ليمثل ذلك زيادةً بنسبة 12.5% في قيمة الناتج المحلي، وأن أكثر القطاعات التي ستحقق هذه الإضافة هما قطاعا الصناعة والخدمات العامة.

وبالنسبة لتقبل المجتمع السعودي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ فلا شك أن لديه الآن درجة كبيرة في التعامل مع الأجهزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي والخدمات المحوسبة في كثير من الأحيان، كذلك ذكرت الشركة أن 77% من المستطلعة آراؤهم من المجتمع السعودي مرتاحون لتعاملهم مع الخدمات والتطبيقات المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعتبر هذه النسبة أعلى من النسبة العالمية 62%، وأعلى من نسبة المستطلعة آراؤهم في أمريكا التي كانت 59%.

وبالنسبة للمملكة فقد بدأ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي منذ وقت مبكر حينما صدر أمر ملكي عام 1440هـ بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" لتكون المرجع الوطني في كل ما يتعلق بها من تعامل وتنظيم وتحديث وتطوير. وقامت "سدايا" بمهمة قيادة التوجه الوطني للبيانات والذكاء الاصطناعي لتحقيق تطلعات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة سدايا -يحفظه الله- ومستهدفات رؤية المملكة 2030، فعملت على تطوير الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي من أجل توحيد الجهود وإطلاق المبادرات الوطنية في البيانات والذكاء الاصطناعي وتحقيق الاستفادة المثلى منهما، وقد حققت المملكة المركز الأول عربيا، والمركز 22 عالميًّا مقارنة بالمركز 29 عالميًّا في العام الماضي في مؤشر الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي الصادر عن تورتويس أنتليجينس "Tortoise Intelligence"، وهو أحد مؤشرات التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي الذي يقيس أكثر من 60 دولة في العالم؛ فيما حلت ألمانيا ثانيًا والصين ثالثًا في هذا المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي، كما نالت المملكة في نفس المؤشر المركز الثاني عالميًّا في معيار الاستراتيجية الحكومية، والتاسع عالميًّا في معيار البيئة التشغيلية لمستوى الاستثمار والابتكار وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ولقد ساهمت مجموعة من المشاريع التقنية المنفذة كجزء من هذا التحول، في دفع المملكة إلى قمة المؤشرات الدولية؛ بما في ذلك المرتبة الثانية في تقرير التنافسية الرقمية من "مجموعة العشرين" في عام 2021، والمرتبة الثانية في مؤشر الأمن السيبراني العالمي من "الاتحاد الدولي للاتصالات" لعام 2022 والذي يقيس التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي في أكثر من 100 معيار ضمن سبعة مؤشرات هي: الاستراتيجية الحكومية، والبحث والتطوير، والكفاءات، والبنية التحتية، والبيئة التشغيلية، والتجارة.. وقد نالت المملكة فيه المركز الأول في مؤشر الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي، كما حققت المملكة نسبة 100% في معايير المؤشر ومن أبرزها وجود استراتيجية وطنية مخصصة ومعتمدة للذكاء الاصطناعي بالمملكة، ووجود جهة حكومية مخصصة للذكاء الاصطناعي، ووجود تمويل وميزانية خاصة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب تحديد ومتابعة مستهدفات وطنية خاصة بالذكاء الاصطناعي.

وقد حققت المملكة هذا المستوى الذي يواكب مستهدفات رؤية المملكة 2030، والذي يسعى إلى أن تتبوأ المملكة مكانة متميزة في المؤشرات العالمية في مختلف المجالات وتبرز كقوة عالمية في الذكاء الاصطناعي في القمم العالمية تتوج نجاحاتها بإنجازات بارزة. ويعلمنا التاريخ أن قدرة الإنسان على التكيف حصلت عن طريق تبني أحدث الابتكارات التقنية مرورًا بأربع ثورات صناعية بدأت أولاها ببدء محركات البخار، ثم ثانيها الكهرباء والإلكترونيات، ثم ثالثها وصولًا إلى الرقمنة والإنترنت وتقنية المعلومات، ثم آخرها في مرحلتها الرابعة وهي الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتقنية النانو، وكلها شكلت محطات بارزة في تاريخنا لتحسين أنفسنا وتسهيل حياتنا وجعلها أكثر رغدًا ومتعة وازدهارًا لنا وللأجيال القادمة.

المملكة تتصدر طليعة هذا التقدم الرقمي

وبينما تبني المجتمعات اقتصادًا وعالمًا رقميًّا وابتكارًا تلو الابتكار، تتصدر المملكة طليعة هذا التحول؛ إذ قدمت رؤية 2030 مخططًا للتقدم المستدام بحيث بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 5% في عام 2023. ولعل أكثر مجال يبرز فيه التقدم الرقمي في المملكة هو مجال الذكاء الاصطناعي؛ حيث اتخذت الحكومة خطوات جريئة لتشجيع مؤسسات القطاعين الخاص والعام على تبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة؛ بهدف دفع التنوع الاقتصادي وإيجاد فرص العمل وتعزيز التنمية الاجتماعية، ويتضمن هذا الالتزام في دعم المبادرات والبرامج المختلفة التي تشجع القطاع العام على اعتماد الذكاء الاصطناعي والاستفادة من تحليل البيانات لاتخاذ قرارات مدروسة.

وتتصدر وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات هذه الجهود، ويتمثل أحد أبرز مساهماتها في المؤتمر السنوي لبرنامج "ليب" الذي يعمل كمنصة رئيسية لمناقشة مستقبل الذكاء الاصطناعي والتقنية؛ حيث تجذب هذه المنصة خبراء ومبتكرين عالميين، وتوفر فرصًا لتسهيل التعاون، بالإضافة إلى عرض التطورات التي تعزز مكانة المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي التي خطت خطوات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ حيث جعلت نفسها مركزًا عالميًّا لتقنياته المتطورة. كما أنشأت المملكة -تحت قيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان- مركز التميز للذكاء الاصطناعي التوليدي في عام 2023 لغرض إطلاق إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والاستفادة من المحتوى والابتكار الناتجيْن عن تطبيقاته.

وفي عام 2023، أصدرت "سدايا" دليلًا مفصلًا حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، يوفر نظرة شاملة على عملية تطوير نموذج ذكاء اصطناعي توليدي، وتهدف هذه الخطوة إلى زيادة الوعي المحلي والدولي بشأن أهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبلنا الرقمي بطرق فريدة وغير تقليدية.. ولقد أظهرت المملكة -من خلال هذه المبادرة- حرصها وتفانيها في استغلال قوة الذكاء الاصطناعي التوليدي لتدعيم التواصل وتعزيز فعالية الأداء في مختلف المجالات. وبالإضافة إلى ذلك استحوذت المملكة -وفقًا لتقرير "فاينانشيال تايمز"- على 3 آلاف وحدة من رقائق H100 من Nvidia، المصممة خصيصًا للذكاء الاصطناعي التوليدي، عن طريق "جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية"، وتدعم هذه الرقائق قدرات المملكة في تعزيز الابتكار المدعوم بالذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.

ولقد جرى أخيرًا خلال النسخة الثامنة لمبادرة "مستقبل الاستثمار" توقيع اتفاقية شراكة بين صندوق الاستثمارات العامة وبين جوجل كلاود التابعة لشركة جوجل الشهيرة؛ وذلك من أجل إطلاق مركز عالمي جديد للذكاء الاصطناعي قرب مدينة الدمام، وتتضمن الشراكة تطوير قدرات الكفاءات الوطنية في سوق العمل من خلال برامج ذكاء اصطناعي ومهارات رقمية بما يواكب المستهدفات الاستراتيجية للمملكة بتحقيق نمو بنسبة 50% في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، وستشمل البنية التحتية عالية الأداء المخصصة لهذا الغرض، أحدث مسرعات وحدات المعالجة (TPU)، ووحدات معالجة الرسومات (GPU)، بالإضافة إلى منصة "Vertex AI"، وهي منصة التطوير المتخصصة من جوجل كلاود السحابية التي تمكن العملاء من إنشاء تطبيقات ذكاء اصطناعي توليدي وهذه الشراكة خاضعة للحصول على الموافقات التشريعية والتنظيمية المطلوبة، وهناك أيضًا سوق قادم يطلق عليه "الذكاء الاصطناعي العربي" متخصص مليء بالفرص، تطمح المملكة في أن تصبح فيه أول وأكبر مصدر للذكاء الاصطناعي العربي، من خلال تمكين الابتكار لدى القطاعين العام والخاص، وبناء البيانات العربية محليًّا، وصولًا إلى تسليط الضوء على هذه البيانات كأولوية دولية لأكثر من 350 مليون متحدث باللغة العربية، وتستخدم أكبر الكيانات الحكومية في المملكة الذكاء الاصطناعي العربي لوضع الميزانيات، وإنشاء المحتوى التعليمي العربي المتخصص، وبناء مركز معزز بالذكاء الاصطناعي لدعم القرارات؛ مما يدفع بالمملكة لتصبح من أكثر الدول المتقدمة رقميًّا في العالم.

وتتماشى هذه الإنجازات والأهداف الطموحة الملموسة مع رؤية المملكة 2030؛ مما يضع المملكة في مرتبة رائدة عالميًّا في تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة؛ في حين تهدف المملكة إلى أن تصبح قوة تقنية عالمية متمكنة من خلال تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، ورائدة في المحتوى والابتكار والبحوث والنمذجة والمحاكاة لتصميم المواد الحيوية والمتطورة والتصنيع المتقدمة".

تتضافر كل الجهود لبناء مستقبل

ويُنهي "الشعلان": "وفي الختام، الكل يعلم أن مملكتنا الغالية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -يحفظهم الله- تتضافر فيها كل الجهود المخلصة والسواعد المتفانية لتعزيز رؤيتها الطموحة ومركزها الروحي وقيمها الثقافية لبناء مستقبل أكثر رغدًا وازدهارًا وأمنًا وسلامًا لها وللعالم بأكمله".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org