الأندية الأدبية في المملكة.. مسيرة تاريخية لإثراء المشهد الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية

من أزهى المراحل في الحياة الثقافية التي أتمت نصف قرن من عمرها الحافل بالمنجزات
الأندية الأدبية في المملكة.. مسيرة تاريخية لإثراء المشهد الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية
تم النشر في

تمثل الأندية الأدبية في المملكة إحدى الركائز الأساسية في دعم الحراك الثقافي، خلال مسيرتها الممتدة لأكثر من نصف قرن من الزمان، في إثراء المشهد الثقافي، وتعزيز الهوية الوطنية، والمحافظة على استمرارية الأدب والفكر، والإسهام لبناء مجتمع معرفي يعتز بثقافته وحضارته وتراثه العريق، ولتبقى مؤسسات تحتفظ بمكانتها حاضناتٍ للفكر والإبداع، وسط طموحاتها لبناء مجتمع معرفي وثقافي مزدهر، في ظل رؤية المملكة 2030.

وانطلقت هذه الأندية الأدبية في حراكها الثقافي إثر انعقاد مؤتمر الأدباء السعوديين الأول، الذي أقيم في الرياض ورأسه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب -رحمه الله- في شهر جمادى الأولى 1395هـ الموافق مايو 1975م مع عدد من الأدباء والمثقفين من مناطق المملكة، وكان النقاش يدور حول سبل إحياء سوق عكاظ، وبعد تداول هذه الفكرة اقترح الأديب عزيز ضياء فكرة إنشاء أندية أدبية في المدن السعودية الكبيرة، وأيدها الحاضرون أثناء التباحث في شأن صيغة مؤسسية لتفعيل الثقافة ورعايتها، وصدرت الموافقة على تأسيس 6 أندية في جدة والرياض والطائف ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجازان.

منابر للحوار

وأدت هذه الأندية التي وصل عددها إلى 16 ناديًا أدبيًا في المملكة، دورًا رائدًا بصفتها منابر للحوار الثقافي ورعاية الكتاب والشعراء والمثقفين وهي: (جدة, الرياض, مكة المكرمة, المدينة المنورة, أبها- جازان, الطائف, حائل, تبوك, المنطقة الشرقية, نجران, الباحة, الجوف, الحدود الشمالية, الأحساء, القصيم)، مما أسهم في تطور الحركة الثقافية والفكرية، وبروزها مؤسساتٍ داعمة الإبداع وراعية للمواهب، التي انتقلت ضمن بقية المؤسسات الثقافية الأدبية، في عام 1426هـ/2005م، من الرئاسة العامة لرعاية الشباب "وزارة الرياضة حاليا" إلى وزارة الثقافة والإعلام السعودية "قبل فصل الوزارتين"، وفي عام 1439هـ/2018م، انتقل الإشراف على الأندية الأدبية من وزارة الإعلام إلى وزارة الثقافة بعد إنشائها، ضمن رؤية المملكة 2030 التي تولي اهتمامًا كبيرًا بالثقافة والأدب والفنون.

واستمرت الأندية الأدبية في حفاظها على الإرث الثقافي وصناعة جيلٍ من المثقفين والأدباء، وإظهار الأصوات الأدبية الجديدة، وإقامة الفعاليات الثقافية والأمسيات الشعرية، والندوات، والمعارض، وورش العمل، مع إصدار الدوريات والمجلات الأدبية والنقدية المتخصصة، وتنمية المواهب عبر إقامة البرامج التدريبية واحتضان المبدعين الشباب، إلى جانب القيام بمسارات التوثيق والحفظ، من خلال الاهتمام بحفظ التراث المحلي والأدبي.

الأثر الثقافي

ويتمثل الأثر الثقافي للأندية الأدبية في ربط الأدب بالثقافة المحلية واللغة العربية، ونشر الفكر المعتدل عبر الأدب والثقافة، والتفاعل مع القضايا الاجتماعية عبر الأدب كأداة للتعبير والتحليل، والمشاركة في الحوار الوطني والتفاعل مع العالم، وترسيخ المشاركة الجماهيرية، والتعاون مع الهيئات الثقافية والفنية الأخرى، فهذه الأندية جعلت من نفسها ارشيفًا ثقافيًا، إلى جانب أن مبانيها أصبحت معالم بارزة في كلّ منطقة ومحافظة في المملكة.

ومضت هذه الأندية نحو المستقبل في تدعيم البنية التحتية لتعزيز المشهد الثقافي، لا سيما في ظل الحراك الثقافي الواسع الذي تشهده المملكة، وتوظيف الرقمنة في إيصال مستهدفاتها وتحقيق رسالتها، مما كان له بالغ الأثر في تلبية تطلعات المثقفين في تمكين لأندية الأدبية من تفعيل أنشطتها، والاعتناء بالمواهب الأدبية من خلال منابرها وتقديمها للساحة الثقافية، إضافة إلى عملها على الحفاظ على الإرث الأدبي العربي وأسهمت في الحفاظ على الهوية الثقافية.

دورًا حيويًا

وتحدث الشاعر والأكاديمي والمدير الأسبق للأندية الأدبية أحمد قران الزهراني، حول مسيرة الأندية الأدبية والدور الذي قدمته في إثراء الساحة الثقافية طيلة الخمسين عامًا الماضية، مشيرًا إلى أنها أدت دورًا حيويًا في نشر الثقافة والأدب بين مختلف شرائح المجتمع، حيث تنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والمحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية والقصصية، التي أسهمت بشكل كبير في التعريف بالثقافة السعودية خارجيًا من خلال استضافة المثقفين العرب للمشاركة في فعالياتها، والعمل على بناء جسور التواصل بين الأدباء والمثقفين في المملكة.

ونوه بأهميّة الأندية الأدبية حاضنةً رئيسيةً للثقافة والمثقفين، وأن نجاحها يعني نضوج الثقافة الجادة والحقيقية، وإثراء الحياة الثقافية وتنمية الوعي المجتمعي، لافتًا إلى أن أكثرية المثقفين السعوديين مروا وعبروا إلى الشهرة من خلال الأندية الأدبية، التي لا يقتصر نشاطها على فعاليات ثقافية وإنما يتعدى ذلك إلى إصدار الكتب للمثقفين وإصدار المجلات المتنوعة، في ظل الدعم الكبير لوزارة الثقافة، لهذه الأندية التي تعمل على تحويلها لمراكز ثقافية لتفعيل دورها وتوسيع نطاق مشاركتها في إثراء العمل الأدبي والثقافي.

أزهى المراحل

ورأى الكاتب والروائي عواض شاهر العصيمي أن الأندية الأدبية تمثّل مرحلة من أزهى المراحل في الحياة الثقافية في المملكة، التي أتمت نصف قرن من عمرها الحافل بالمنجزات، مع مواصلتها لإيجاد حراك جديد يتواكب مع المرحلة ومع الأجيال الحالية والمستقبلية، إذ إنها تعد من لبنات تأسيس الكيانات الثقافية، لجانب وجود الأدباء ذوي الخبرة، والشباب الذين يقودهم الحماسة لصناعة الحراك الثقافي، منوهًا بضرورة الاستثمار في الثقافة من منظور اقتصادي، لتبقى مشروعًا كبيرًا وحضاريًا يسير وفق منظومة التطوير التنموي للوطن.

الطفرة الرقمية

وقال الكاتب إبراهيم الشمراني: "إن الأندية الأدبية في هذا العهد الزاهر، ومع الطفرة الرقمية والتطور التقني بلغت أوج نشاطها الثقافي والأدبي ببرامجها وفعالياتها ومجالس إدارتها، ومسايرة حجم الحركة الثقافية الهائلة التي تمر بها المملكة، إلى جانب الفعاليات التي قادتها هذه الأندية وكان لها نتاجًا مميزًا مثل الأمسيات والمعارض الفنية والتجارب السينمائية والمنتديات الثقافية، التي يستضاف فيها المثقفين والمفكرين والكتّاب البارزين، والأدباء والفنانين، بهدف تعزيز التنوع والشمولية، وتشجيع الحوار بين الثقافات.

وبين المفكر والأديب الدكتور معجب الزهراني أنّ هذه المؤسسات الثقافية العريقة تعد جزءًا لا يتجزأ من مكتسبات الوطن، إذ كانت وما زالت من روافع الثقافة الجادّة، فقد أصدرت مئات الكتب الأدبية والإبداعية والثقافية، والعديد من المجلات الثقافية والمحكمة الرائدة، نشر فيها كبار أدباء ومبدعي الوطن والعالم العربي.

العمق التاريخي

بدوره استعرض الناقد محمد العباس المراحل التي مرت بها الأندية الأدبية في المملكة، مشيرًا إلى أنه من خلال هذه المسيرة نما الأدب السعودي وازدهر، مع مراعاة العمق التاريخي والمنجز العريض، لتؤدي دورها المأمول في خدمة الأدب والأدباء في شتى مناطق المملكة، لتبقى رافدًا للمشهد الثقافي السعودي والعربي، والعمل الأدبي، وصناعة الجيل الإبداعي المثقف، مبينًا أن وجود هيئة الأدب والنشر والترجمة يبني علاقة وطيدة بالأدب ويسهم في تطوير المشهد الثقافي واحتضان المثقفين باختلاف مستوياتهم.

فيما فصل المتخصّص في الأدب والنقد الدكتور نايف رشدان، مخرجات هذه الأندية رافدًا من روافد الثقافة، عبر تقديم الأدباء والمفكرين والنقاد، وصناع القصة والشعراء، التي كانت ومازالت بمثابة منابر لهم، ومنصات تظهر ما لديهم من مخزون، ومن أبرز سمات مراحل مسيرة الأندية الأدبية رسم الخطوط العريضة لمسيرة الثقافة في السعودية، التي قدمت خلالها برامج ثقافية متنوعة، كالملتقيات السنوية، إضافة لمشاركة المرأة بفاعلية كبيرة، وخطت بعضها خطوة جميلة في فتح المجال للسينما والمسرح مؤخرًا.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org