مع كل حادثة اقتحام للخصوصية تصدر من أحد مشاهير السوشيال ميديا ضد إنسان بسيط يعيش في حاله، ويسعى وراء لقمة عيشه، تعود بي الأيام لتلك الفترة الذهبية التي شكلت خلفيتي الثقافية عندما كنت مهووسًا بقراءة الروايات العربية، مثل: أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، وعرس الزين للطيب صالح، وقاع المدينة ليوسف إدريس، ولا تطفئ الشمس لإحسان عبدالقدوس، ومدن الملح لعبدالرحمن منيف، حيث أجد مفارقة عجيبة بين ذلك الزمن الجميل الذي كان يهتم فيه المثقفون بتسليط الضوء على هموم البسطاء لانتشالهم من الفقر المدقع، ومشاهير الغفلة في يومنا الذين يتعمدون الركوب على ظهورهم لزيادة المتابعين والمعلنين!
إن تمادي مشاهير الغفلة في تعديهم على خصوصية الناس البسطاء، واستغلال حاجتهم للإثراء بدون سبب، بحاجة لحراك ثقافي يعريهم، ويوضح لأولئك الضحايا المهمشين كيف يمكنهم عبر الطرق النظامية قلب الطاولة بوجوههم، وتأديبهم، والتربح من ورائهم!؟ لذلك أود أن أوضح أن على ضحية تصوير مشاهير الغفلة أن لا يهتم لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية؛ فالنيابة العامة ستبادر مشكورة كما عودتنا بالقبض على الفضولي المعتدي، واتخاذ الإجراءات الرسمية بحقه، وتطبيق نص المادة الثالثة فقرة 4 و5 من النظام عليه، متى أدين ولم يستطع الاستفادة من المادة الـ11 بإثبات أنه أبلغ، وكان حسن النية، وهدفه الصالح العام؛ إذ تقتصر العقوبة هنا في الحق العام بالسجن مدة لا تزيد على سنة، وغرامة مالية لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بهما معًا.
الطريقة الأجدى التي يفترض أن يسارع باتخاذها ضحية تصوير مشاهير الغفلة لتأديبهم هي تقديم شكوى للجنة التي تنظر في انتهاك حقوق المؤلف؛ إذ أكدت المادة الـ12 من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية أنه: لا يخل تطبيق هذا النظام بالأحكام الواردة بالأنظمة ذات العلاقة خاصة فيما يتعلق بالملكية الفكرية؛ بالتالي يحق له الاستناد إلى المادة 17 و22 من نظام حقوق المؤلف، والمطالبة بالتعويض المجزي من جراء نشر وتوزيع صورته أو مقطعه دون إذنه الكتابي. وكلما زاد متابعو المشهور زاد التعويض عليه.
بجانب الحصول على التعويض الذي يجبر الضرر الذي لحقك، أو الكسب الذي فاتك من جراء استغلال مقطعك من قِبل مشاهير الغفلة، عليك أن تتابع تطبيق العقوبات التبعية بحق كل منهم للحد من فضولهم وهمجيتهم، مثل: قفل الحساب مؤقتًا أو نهائيًّا، والتشهير به في إحدى وسائل الإعلام على نفقته، وتعليق مشاركته بالأنشطة والمناسبات عامَيْن؛ حتى يعود لعقله، ويعرف حجمه.
أكاد أجزم بأن رواية (تأديب مشاهير الغفلة) لو صدرت بهذا السيناريو في زمن رواج الكتب، وبهذه الشخصيات والحبكة المركبة والأحداث المتقلبة والنهاية غير المتوقعة، لاكتسحت المكتبات والمعارض والندوات، وأُعيدت طباعتها عشرات المرات، ووُزّع منها ملايين النسخ، وتُرجمت للغات عدة، على أن تكون صورة الغلاف: عربة بائعة الخضار!