معجزة السنوات الـ5.. قصة البرازيل من الإفلاس إلى إقراضها الصندوق الدولي

"ابن كدسة" يروي حكاية أسطورة الرئيس "داسيلفا"
معجزة السنوات الـ5.. قصة البرازيل من الإفلاس إلى إقراضها الصندوق الدولي

روى عقيل بن فيصل بن كدسة، عضو هيئة التدريس وباحث الدكتوراه وصانع المحتوى، قصة جمهورية البرازيل، وتغيراتها الجذرية من دولة هددها صندوق النقد الدولي بإعلان إفلاسها إلى دولة منحت قروضًا للصندوق نفسه خلال خمس سنوات من خط الإفلاس، وتشرُّد سكانها حول العالم.

ويقول "ابن كدسة" في "ثريد" عبر حسابه الشخصي: "في الثمانينيات مرت البرازيل بأزمة اقتصادية طاحنة لإيجاد حل لأزمتها، وذهبت للاقتراض من صندوق النقد الدولي معتقدة أنه الحل لأزمتها الاقتصادية. وبالتأكيد طُبقت حزمة الشروط المجحفة؛ ما أدى إلى تسريح ملايين العمال، وخفض أجور باقي العاملين، وإلغاء الدعم. وكنتيجة لذلك انهار الاقتصاد البرازيلي، ووصل الأمر إلى تدخُّل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد، منها تعديل الحد الأدنى للرواتب؛ ما تسبب في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية".

وتابع: "رغم استجابة البرازيل لكل الشروط إلا أن الأزمة تفاقمت أكثر وأكثر، وأصبح 1 % فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي، وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر؛ الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار معتقدين أنه الطريق للخروج من الأزمة؛ فتدهورت الأمور أكثر، وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فسادًا وطردًا للمهاجرين، ومن الأعلى حول العالم في معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون؛ إذ تضاعف الدَّين العام تسع مرات في 12 سنة فقط!".

وأضاف بأنه في نهاية 2002 هدد صندوق النقد الدولي بأنه سيقوم بإعلان إفلاس البرازيل إذا لم تسدد فوائد القروض، ورفض إقراضها أي مبالغ إضافية؛ فانهارت العملة؛ ليصبح الدولار يساوي 11 ألف ريال برازيلي، حتى تحولت إلى دولة تحتضر!

وعن نقطة التحول قال الباحث عقيل بن كدسة: "في عام 2003 انتخب البرازيليون رئيسهم [لولا دا سيلفا]، وكان فقيرًا، وعانى بنفسه الجوع وظلم الاعتقال، وكان يعمل ماسح أحذية. ومنذ أن تسلم زمام الحكم الكل خاف منه، ورجال الأعمال توقعوا أنه سوف يحصل على أموالهم، وسينقلب إلى لص لتعويض الحرمان.. لكنهم كلهم كانوا مخطئين! ففي أول خطاب له قال كلمته الشهيرة: [التقشف ليس أن أفقر الجميع.. بل هو أن الدولة تستغني عن كثير من الرفاهيات لدعم الفقراء]، وقال كلمته الشهيرة أيضًا: [لم ينجح أبدًا صندوق النقد إلا في تدمير البلدان]. وسبب تلك التصاريح النارية؛ لأنه يؤمن بأن كثيرًا من الديون تسبب الكسل والتدمير، بدأ بالاعتماد على أهل بلده".

وتابع "ابن كدسة": "وضع [دا سيلفا] بندًّا جديدًا في الموازنة العامة للدولة، اسمه [الإعانات الاجتماعية المباشرة]، وقيمته 0.5 % من الناتج القومي للدولة، ويُصرف بصورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة. يعنى ببساطة استبدل الدعم العيني بدعم نقدي. هذا الدعم كان يدفع لـ11 مليون أسرة، تشمل 64 مليون برازيلي. ومن هنا بدأت العملة في الارتفاع، وكان الدعم يعادل 735 دولارًا [نحو 13 ألف ريال برازيلي لكل أسرة شهريًّا]. وطبعًا السؤال المهم: من أين هذه المبالغ كلها والبرازيل مفلسة؟!! الجواب: لأنه رفع ضرائب الدخل على الكل ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات، بمعنى رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب".

وكشف عن السؤال الأهم: كيف كانت ردة فعل رجال الأعمال على هذه الإجراءات؟ مجيبًا: "تخيلوا أنهم كانوا سعداء؛ لأنه منحهم تسهيلات كبيرة في الاستثمار، وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم، ومنح الأراضي مجانًا، وقام بتسهيل التراخيص، وإعطاء قروض بفوائد بسيطة لمساعدتهم في فتح أسواق جديدة، ونتج من ذلك أن دخل الفقراء بدأ يرتفع، وزادت عملية شراء منتجات رجال الأعمال؛ فتضاعف حجم مبيعاتهم، ولا يعتبرون هذا الإجراء جباية أموال، بل كانوا يدفعوا الضرائب، ويعتبرونها رسومًا للتسهيلات، وأصبحوا يكسبون أكثر بسببها".

وأضاف: "بعد ثلاث سنوات فقط عاد مليونا مهاجر برازيلي و1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل، وتم خلال السنوات الأربع سداد كل مديونيات صندوق النقد. وبقدرة قادر تحول الصندوق الدولي الذي كان ينوي إشهار إفلاس البرازيل إلى اقتراض 14 مليار دولار منها، وذلك أثناء الأزمة العالمية في 2008 بعد 5 سنوات فقط من حكم [لولا دا سيلفا]".

وأوضح "ابن كدسة" أن الرئيس "دا سيلفا" ركّز على أربعة أمور، هي: الصناعة والتعدين والزراعة، وبدون أدنى شك التعليم. ووصلت البرازيل لسادس أغنى دولة في العالم في آخر سنوات حكمه 2011، وأصبحت تصنِّع الطائرات "أسطول طائرات الإمبريار برازيلية الصنع"، وكانت أحد أعمدة دول الـBRIC، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، وأظهرت التوقعات أنها ستصبح في أعلى قائمة أقوى الاقتصادات في العالم بحلول 2030، ولكن الأمور تغيرت كثيرًا؛ فالدستور هناك يسمح للرئيس بفترتين رئاسيتين كحد أقصى، وكل فترة مدتها 4 سنوات. وفي 2011 انتهت الفترة الرئاسية للرئيس لولا داسيلفا.

وبيّن أنه بعد انتهت ولايتَي حكم "لولا" في 2011. وبعد كل هذه الإنجازات التي غيرت واقع الدولة طلب منه الشعب أن يستمر، وأن يعدلوا الدستور الذي يمنعه من فترة رئاسية ثالثة، فرفض بشدة، وقال كلمته الشهيرة: "البرازيل ستنجب مليون [لولا]، ولكنها تملك دستورًا واحدًا"، ثم ترك مكتب الرئاسة.

وعرج على الصناعات البرازيلية بقوله: "دشنت أول غواصة نووية [فقط 5 دول في العالم تصنع غواصات نووية، هي: أمريكا - روسيا - الصين - بريطانيا – فرنسا]، أول غواصة برازيلية كانت بالتعاون مع فرنسا، ولكنها ستدشن الغواصة الثانية في هذا العام، والثالثة في 2022 بصناعة برازيلية خالصة. والنهوض من التخلف ليس مستحيلاً، بل بالإرادة، والمهم هو فن الإدارة.. ويمكن أن يحدث في سنوات معدودة. والطريقة معروفة ومحددة: الصناعة والزراعة أولاً، والاهتمام بالفئات الفقيرة والتعليم. لا شيء آخر! فقد فعلتها ألمانيا واليابان في الستينيات، ودول شرق آسيا في الثمانينيات، البرازيل في 2003، وإثيوبيا وراوندا من عام 2015".

وختم "عقيل بن فيصل بن كدسة" حديثه عن البرازيل قائلاً: "الغريب في قصة [لولا داسيلفا] أنه الآن مسجون بتهمة غسل الأموال والرشاوى التي حصل عليها من شركة OIS للإنشاءات مقابل ترسية مشاريع عليها من شركة نفطية محلية في البرازيل، وحكم عليه بالسجن 12 سنة في 2017، وفي 2019 تم تخفيض المدة لثماني سنوات و10 أشهر".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org