تتعدد المآسي والسبب واحد، هذا بعينه ما ينطبق قولًا وفعلًا على "العنف الأسري" الذي يعتبر مصدرًا أساسيًّا لظواهر سلبية أخرى، ما هي إلا أعراض لهذا المرض المجتمعي الخطير، الذي يدمر تماسك أي مجتمع يحل به، والذي واجهته المملكة العربية السعودية وقائيًّا لرفع الوعي الفردي والمجتمعي ممثلة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية؛ بتسخير كافة جهودها وبرامجها للحد من العنف الأسري والقضاء عليه وعلى وما ينتج عنه من مخاطر وكوارث تهدد وتدمر المجتمع.
ويعتبر الطلاق أحد النتائج الرئيسية للعنف الأسري، وأحد أعراضه الخطيرة، التي تنذر بمجتمع غير متماسك تكثر فيه الجرائم نتيجة عدم خضوع الأطفال لرقابة الأبوين بشكل مباشر، كما عملت الوزارة على إيجاد الإدارة العامة للحماية الاجتماعية؛ بهدف نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول ضرورة حماية أفراد الأسرة من العنف والإيذاء وتحقيق مناخ آمن لمجتمع سليم.
التنشئة الاجتماعية
يقول مدير الإرشاد الأسري بجمعية التنمية الأسرية بالأحساء الدكتور تركي بن عبدالرحمن الخليفة: "يشكل العنف الأسري أحد الأسباب الرئيسية لحالات الطلاق داخل المجتمعات، وهي ظاهرة لا تقتصر على فئة اجتماعية دون سواها، وتلعب عملية اختلاف التنشئة الاجتماعية للشاب والفتاة دورًا محوريًّا في حصول الطلاق؛ فالشاب عندما يبدأ بالبحث عن زوجته المستقبلية تكون غالبًا صورة أمه حاضرة في ذهنه التي تقدم له الخدمات دون طلب وتتحمل أخطاءه وبعض سلوكياته، وقد تكون لديه صورة مثالية وحالمة للزوجة العصرية المثقفة العاملة والواعية، وهنا تبدأ محاولة إيجاد مقارنة بين أمه وزوجته، أو بين واقعه والصورة المثالية التي يحلم بها، وقد ينشأ صراع الأدوار في البيت، وخصوصًا إذا كانت الزوجة عاملة".
ثقافة الحوار
وتابع: "حالات الطلاق الناتجة عن العنف الأسري تزيد من معدلات الجرائم في المجتمع، وتقلل من الثقة بالنفس، وتساهم بشكل مباشر في الأزمات النفسية والاضطرابات السلوكية لدى من وقع عليه العنف"؛ مشيراً إلى أن من أسباب الطلاق الناتج عن العنف الأسري، غياب ثقافة الحوار داخل البيت الواحد؛ حيث إن العنف عند الأزواج قد يقع نتيجة تصورات خاطئة ومغلوطة، وفهم قاصر لبعض المفاهيم المتعلقة بالشراكة الزوجية".
وبيّن: "كما أن عدم تقبل الطرف الآخر، والنظرة المغلوطة التي يحملها بعض الرجال نحو المرأة عمومًا، بالإضافة إلى سوء معايير اختيار الزوج، ووجود خلل في مفهوم الزواج لدى الشباب، يؤدي إلى عدم استمرار الزواج الذي بني على أسس غير سليمة".
الطلاق ليس حلًّا
ويضيف: "هنا لا بد من القول إنه من غير المقبول طرح فكرة الطلاق مع أول مشكلة بين أي زوجين، مع ضرورة وضع ضوابط مجتمعية عن مفهوم الأسرة وأهميتها في نسيج المجتمع".
حلول وقائية
وعن بعض الحلول الوقائية لتجنب حالة الطلاق أثناء حدوث العنف الأسري بين الزوجين؛ قال "الخليفة": "لا بد من ترك المكان عندما لا يتمكن أحد الطرفين من التفاهم مع الطرف الآخر، وكذلك لا بد من الحوار المتبادل البناء ودون احتياج لرفع الأصوات، مع أهمية السيطرة على الانفعالات والاعتذار عن الخطأ، واختيار كلمات مناسبة لتهدئة الأمور، وقد يلجأ الزوجان إلى الانفصال المؤقت أو الهجر في بيت الزوجية لفترة قصيرة محدودة، أو اختيار حَكَم من أهله وحكم من أهلها؛ على أن يتم اختيار الحكمين بعناية فائقة ممن تكون لديهما الحكمة والتأثير الإيجابي على أطراف الخلاف والشقاق".
وصايا مهمة
وبيّن "الخليفة" أن من الوصايا المهمة جدًّا؛ أن يبتعد الزوجان عن الأولاد وقت اشتداد الخلاف؛ لما له من آثار نفسية وتربوية على سلوكهم ونظرتهم للوالدين أو للحياة المستقبلية.
وقال: "لذا نحن بحاجة إلى تكاتف جهود جميع الجهات الرسمية والأهلية والمؤسسات والأفراد، لمواجهة العنف الأسري؛ بهدف الحد من هذه الظاهرة والحفاظ على تماسك الأسرة كنواة للمجتمع".
واختتم بقوله: "لا بد من تثقيف الأبناء على أهمية دور الأسرة من خلال وسائل الإعلام والاتصال المختلفة بكافة أنواعها، وإيصال المحتوى التثقيفي بلغة مناسبة وطريقة جاذبة وفعالة".