أكاديمي: "الاستراحة" لدى السعوديين متنفَّس للهروب من ضغوط الالتزامات الاجتماعية والتحرُّر من الواجبات العائلية

أكد أن اتساع الهوة بين الأجيال جعل الأقران يبحثون عن مكان يتشاركون فيه ثقافاتهم المشتركة
أكاديمي: "الاستراحة" لدى السعوديين متنفَّس للهروب من ضغوط الالتزامات الاجتماعية والتحرُّر من الواجبات العائلية

في مقال له يرى الأكاديمي د. مسفر القحطاني أن تنامي الحضور المكاني للاستراحة واضحٌ في غالب المدن السعودية، بل أصبحنا نجد مخططات عمرانية كاملة لا يوجد في غالبها إلا استراحات؛ وهذا يعني أن التمدد والقبول للاستراحة جغرافيًّا واجتماعيًّا يتسع مع الأيام؛ لأسباب كثيرة.

وإذا كان الشتاء جعل المخيمات أقرب في أولوية الاختيار من الاستراحة إلا أن الأخيرة تزهو بأنها خيار (طوال العام)؛ فهي غير مرتبطة بالمواسم، ولا بالمناسبات، بل إن بعض الأصدقاء يقومون باستئجارها طوال العام؛ فتكون بمنزلة منزل ذي خصوصية كاملة، ونوع من التغيير من حياة المنزل التقليدية، بحضور صحبة تربطهم ذكريات وعلاقات مختلفة.

أما الأسباب فهي عديدة، وتختلف من شخص لآخر، ومن عائلة إلى أخرى. ويرى البعض أن عامل الهروب من إزعاج المدينة وصخبها، وكذلك الخصوصية الكبيرة، والعودة لأجواء العزوبية (بالنسبة لمن يستأجرونها لفترات طويلة)، هي في مقدمة تلك الأسباب.

وبالرغم من ارتفاع أسعار الاستراحات بنِسَب مختلفة إلا أنها حافظت على استقرار الطلب عليها، بل إنها تجاوزت لتصبح أحد الحلول والبدائل الرخيصة لمناسبات الزواج، وما يسبقه، وكذلك مناسبات العائلة بشكل عام.

وفي ظل ذلك كله هل أصبحت الاستراحات جزءًا من ثقافة الترفيه أو السياحة لفئات مختلفة من الأجيال؟

* معنى (الاستراحة)

يقول د. القحطاني -وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران- في مقاله المعنون بـ(الاستراحة.. الطريق إلى فردوس الثمامة): يطلق عليها البعض "الديوانية" أو "المشب" أو "الشاليه" أو "المركاز". وسأضع محددات عدة، تؤطر المكان المقصود في المقال، أولها التركيز على معنى (الاستراحة) الذي تعارف عليه السعوديون دون غيرهم، ثم تحديد شكل الاستراحة التي يرتادها الرجال خارج بيوتهم، وليست التي في داخلها. كما يجب التأكيد أن المقصود بالاستراحة هنا "المكان الذي يجتمع فيه الأصدقاء لغرض الترفيه والخروج عن قيود البيت والعائلة". هذا هو المجال الثقافي الجديد، والنسق الاجتماعي المؤثر...".

ويرصد د. القحطاني في مقاله على موقع (almanwar) مراحل الإقبال على الاستراحة، وهل مثلت "خصوصية" ما للسعوديين؟.. فيشير إلى أن بعض الباحثين أشار إلى أنها بدأت منذ منتصف الثمانينيات الميلادية، وأن صورتها السعودية وقتها كانت (أرضًا مسورة ببناء أو حواجز رملية، تحتوي على المرافق الأساسية)، وتختلف فيما يخص الأُسر لتكون مختلفة قليلاً.

وأشار إلى أنه "يوجد تداخل مفاهيمي آخر بين الاستراحة التي تجمع الأصدقاء في مكان له خصوصية الانعزال لغرض الترفيه والخروج عن الرتابة والتقاليد المنزلية والاجتماعية".

وبيَّن مفهوم الديوان الأسري الذي يشرف عليه كبير العائلة أو القبيلة أو المثقف الوجيه؛ للاجتماع بالزوار، أو استضافة من يثري المجلس أو الديوان بالفائدة المعرفية. وهذه كلها حضرت في مجتمعنا السعودي.

* الاستراحة.. خصوصية سعودية

وفيما يخص "الخصوصية" يجيب د. القحطاني عن سؤال مهم: "هل الاستراحة خصوصية سعودية؟" ويتولى الإجابة بقوله: أعتقد نعم؛ لأسباب، أهمها: التداول الكبير لمفردة (الاستراحة) بين مجموعات كثيرة من الشباب السعودي؛ إذ يستعملون هذه المفردة للدلالة على المكان والخصوصية والعَقْد الاجتماعي المصغَّر بين أفرادها.. ثم إن هذه التسمية غير مشتهرة في المجتمعات القريبة بالرغم من تشابه أمكنة الاجتماع، كالقهوة (المقهى) في مصر والمغرب، والديوانية في الخليج، والمبرز أو المتكى في اليمن.

ويضيف د. القحطاني: السعوديون جعلوا من الاستراحة مكانهم المفضل للهروب من الالتزامات الاجتماعية والعرفية، والتحرر من الواجبات العائلية، والبحث عن الترفيه الحُر مع أفراد يشتركون في الميول والاهتمام نفسَيهما.

* الاستراحة.. دلالات وواقع

الرؤية التي يفردها د. القحطاني عبر قراءة عميقة يمكن تلخيص جوهرها في نقاط عديدة، أبرزها: الفرد اليوم، وخصوصًا الشاب، أصبح محتاجًا للحديث الطويل والمشاركة مع أصدقاء يشبهونه أكثر من ذي قبل؛ لأن نمط الحياة وكثرة تجدُّدها واتساع الهوة بينه وبين كبار عائلته.. جعلته يبحث عن أقرانه الذين يشاركونه الهموم والاهتمامات التي قد لا تروق للأجيال السابقة. وهناك نسق اجتماعي جديد، يهرب نحوه الشباب دون الشعور باللوم، ويُمكّنهم من التخفف من التزامات البيت والأولاد بالغياب عن البيت حتى وقت متأخر من الليل تحت ذريعة الراحة بعد العمل والوظيفة. وهناك شِبه اتفاق على أن الاستراحات سرقت الأزواج والشباب عن التزاماتهم العائلية.

ولا يستبعد الكاتب أن توفر الاستراحة مناخًا لإحداث تغيير ثقافي واجتماعي، ولكن ليس كرافعة للتغير المجتمعي بسبب غياب العمق.

* الاستراحة.. فرصة لمراقبة التغيرات

ويختم الكاتب بالتشديد على رؤيته بأن "الاستراحات السعودية اليوم كمكان له خصوصيته في ثقافتنا المجتمعية، مُهيَّأ ومرشح لمزيد من الرسوخ وسعة الانتشار، ويتجاوز فئة الشباب إلى فئات جديدة، كالنساء والمراهقين.. وهذا الأمر قد يستدعي اهتمام الأجهزة المعنية بالمجتمع؛ لفهم ومراقبة التغيرات التي تظهر على هذا النسق المكاني.. وهذه الظاهرة مثل غيرها من الظواهر الاجتماعية لها أكثر من وجه وطريق للتعاطي معها؛ فالتعميم والمبالغة في ذكر أضرارها خطأ معرفي وترفيهي، والتقليل من سلبياتها غفلة وجهل، قد يوردانا المهالك.. والأهم هو فهمها جيدًا ومراقبتها كظاهرة مجتمعية. وما سبق هو محاولة عرجاء بغية الوصول -ولو متأخرًا- نحو جادة الفهم الأقوم".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org