المتدبّر للأمثال القرآنية يعلم ما به من التنوّع في الأساليب الإلهية وعرضها والدعوة إليها وذكر آثارها والتحذير من ضدها، ويستمرّ في عظاته للخلق لتبصيرهم بمستقبلهم الحقيقي وسبيل نجاتهم، كما تناولت جانبًا من أساليب القسم الذي به من إظهار المهابة والعظمة، وتُعدّ من صور الإعجاز الإلهي.
"سبق"، وعبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، تستضيف طوال الشهر الكريم، الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضًا من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.
بدأ ضيفُ الحلقة "الذكري" بقوله تعالى: "فَوَرَبِّ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقࣱّ مِّثۡلَ مَاۤ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ". وعلّق عليها بقوله: يستمر القرآن في عظاته للخلق لتبصيرهم بمستقبلهم الحقيقي وسبيل نجاتهم؛ ففي سورة "الذاريات" التي بُدئت بالقسم والتوكيد المتضمن ذلك على تحقق يوم القيامة ومجازات العباد بأعمالهم، وبيان حال الفريقين، وأن أهل النار لهم الهوان والخيبة "يوم هم على النار يُفتنون * ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون"، وحال أهل النعيم والسعادة "إنّ المتقين في جنّات وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم"، يؤكد الله هذه الحقائق من البعث والنشور والجزاء بأنه لا ريب فيه، فيقول: "فَوَرَبِّ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقࣱّ مِّثۡلَ مَاۤ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ".
وأضاف "الذكري" عن فوائد هذه الآيات: جاء القسم من الله وفيه الدلالة العظمى بأنّ الأمر ذو اهتمام بالغ، كما أقسم الله بأنّه ربُّ السماء والأرض، وفي القسم بهما إظهار المهابة والعظمة.
وأردف قائلًا: توكيد تحقق الوعد والوعيد بقوله: "إنّ"، فأفادت توكيدًا للمعنى، كما أن من البلاغة القرآنية هنا ما ذكره ابن عاشور، رحمه الله، في تفسيره: "وضَمِير "إنَّهُ لَحَقٌّ" عائِد إلى "ما تُوعَدُونَ". وهَذا مِن رَدِّ العَجُزِ عَلى الصَّدْرِ؛ لِأنَّهُ رَدٌّ عَلى قَوْلِه أوَّلَ السُّورَةِ: "إنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ".
وواصل الباحث الشرعي حديثه: بلاغة القرآن في سهولة إيصال المراد للخلق؛ فذكر لهم مثالًا واضحًا، وهو كما أنكم تنطقون ولا تشكون في هذه حقيقة نطقكم، فكذلك تحقّق ما وعد الله فهو متحقّق كهذا يقينًا وثباتًا، واستشهد بما قاله ابن عاشور، رحمه الله: "واجْتُلِبَ المُضارِعُ في "تَنْطِقُونَ" دُونَ أنْ يُقالَ: نُطْقُكم، يُفِيدُ التَّشْبِيهَ بِنُطْقِهِمُ المُتَجَدِّدِ وهو أقْوى في الوُقُوعِ لِأنَّهُ مَحْسُوسٌ".
وختم "الذكري" حديثه عن الفوائد القرآنية، بقوله: عِظم أمر العقيدة والدعوة إليه فقد تنوعت أساليب القرآن في عرضها والدعوة إليها وذكر آثارها والتحذير من ضدها.
وأضاف في "خاتمته": ما الذي أحوج العظيم أن يُقسم! إنها رحمته بالخلق ليعرفوا طريق نجاتهم، وعدله في وصول الحجة إليهم: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ".