حينما أرسل الله رسله بالتعاليم الربانية والنصوص المقدسة، وأنبياءه بالتشديد على تعاليم مَن سبقهم، كان على علم سبحانه بأن الناس في تلقي تلك التعاليم صنفان؛ فمنهم من يؤمن بسهولة، أي بمجرد وجود نص وقائل له، ومنهم من يحتاج إلى أدلة وبراهين وتأكيدات تمس روحه وعقله؛ وذلك للتثبت من نبوءة محدثهم، وللتأكد أنه لا ينطق عن الهوى.
هذه الصورة الربانية العظيمة في التعامل مع البشر فيها إرشاد إلى طبيعتهم، وقد أكده سبحانه وتعالى في قوله: {إن في ذٰلك لذكرىٰ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
تؤكد الآية أن من البشر مَن يعقل ما يرى، ويستوعب الدروس، والنصوص، والآيات والعِبر، وبالمقابل بعضهم تمرُّ عليه مرورًا سريعًا، لا يلقي لها بالاً، ولا تحرك فيه ساكنًا. وهذا حال البشر مع العبادات أيضًا. فحينما تم التشديد في محكم التنزيل على أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لم يقصد من ذلك أداء العبادة لمجرد الأداء، وكأنها عمل روتيني يقدم في سبيل الحصول على أجر.. ولو كان المقصد من العبادة تأديتها فقط لما كانت النية شرطًا، عدم توافره يخل في صحتها.
حلت علينا عشر فضيلة، يذكر بعض المفسرين أنها هي من أقسم الله بها في سورة الفجر في قوله: "وليال عشر"، ويُحثُّ الناس بعضهم بعضًا قبلها وخلالها بضرورة التزود من الطاعات وتأدية العبادات، ويذكرون أنها فرصة عظيمة، لا تتكرر إلا في كل عام، ولا ضير من كل ذلك، لكن ما قيمة أداء العبادات في هذه العشر والعمل على تعظيم شعائر الله إن لم يطهر المرء قلبه من إيذاء الآخرين، وظلمهم، وسلب حقوقهم، والتعدي على مالهم وعرضهم وأنفسهم؟!
الغفلة عن حقوق العباد وفقه المعاملات، مع السعي لتحقيق عبادات بعينها، يؤكد أن هناك خللاً في فهم الدين لدى المرء. وقد يكون الخلل في فهم الدين ممتدًا إلى المنظومة الدينية في المجتمع إذا كان جل أبناء المجتمع يتعاملون بهذه الطريقة.
ومثل هذا الوعي لا يكون إلا لمن كان له قلب؛ فالعبرة بضرورة العمل بمحكم التنزيل ضبط السلوك البشري مع أداء العبادة، وليس لأحدهما أفضلية على الآخر.