يشمل النظام القضائي السعودي كل الضمانات القانونية الكفيلة بإحقاق العدالة، سواء في جانب إجراءات التقاضي، التي تضم سير التحقيقات وتوجيه التهم والمرافعات، أو جانب درجات التقاضي، الموزعة على محاكم الدرجة الأولى، ومحاكم الاستئناف، والمحكمة العليا، لكن عوضاً عن ذلك، وحرصاً منها على توفير الشفافية الكاملة في سير قضية المواطن جمال خاشقجي، الذي قتل في قنصلية بلاده في إسطنبول بتركيا، فقد سمحت المملكة لسفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ومنظمات حقوقية سعودية وأبناء المجني عليه بحضور جلسات المحاكمة، التي تمخضت عن إصدار المحكمة الجزائية بالرياض اليوم (الاثنين) أحكاماً ابتدائية بحق أحد عشر من المدعى عليهم.
ودفع المملكة إلى ذلك اضطلاعها كدولة بمهمة توفير العدل لمواطنيها كافة، وإثبات حيادها التام كون المتهمين في قضية مقتل جمال خاشقجي كانوا موظفين لديها، لاسيما أنه قتل في أحد مقراتها الدبلوماسية، بالإضافة إلى تجاوب المملكة مع البعد الدولي للقضية، المتمثل في الاهتمام الدولي الذي واكب وأعقب ارتكاب الجريمة من جانب الجناة، والذي عبر عن حاجته إلى الاطلاع على الحقائق المتعلقة بالقضية، ولقد تعاطت المملكة مع ذلك الاحتياج بشكل إيجابي يضمن إطلاع المجتمع الدولي على ملابسات القضية ودوافع ارتكابها من خلال الدبلوماسيين والحقوقيين الذين سمحت لهم بحضور جلسات المحاكمة العشر إلى صدور الحكم.
وفي الإطار الذي كشفته التحقيقات وأثبتت خلاله إساءة المدانين لصلاحياتهم الرسمية، وتجاوزهم على السلطة العامة للدولة وحقها في احتكار استعمال القوة، فلا جدال أنه تصرف خاطئ وغير مبرر ومستهجن إلى أبعد الحدود، لكن رغم ذلك فمن الوارد انحراف المسؤولين الرسميين عن الصلاحيات المخولة لهم، وإساءتهم لاستخدام وظائفهم، إلا أن المهم هو وجود قوانين تعاقب المسيئين على أخطائهم، فتردع من تسول له نفسه إلى تكرار التصرفات الخاطئة، وتضمن صحة نظام الدولة نفسه، فيظل معافى يؤدي وظائفه في التعبير عن سيادة الدولة ومصالحها.
وتثبت تجارب الواقع عدم عصمة أي موظف رسمي من احتمالية الخطأ، فضلاً عن إمكانية وقوعه في أي دولة في العالم بمعزل عن مستوى تحضرها، ومن ذلك القضية المنظورة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي هذه الأيام ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد اتهام مجلس النواب له رسمياً بإساءة استخدام صلاحيته الرئاسية وعرقلة سير إجراءات الكونجرس، وما دام الخطأ وارد فلا يوجد ما ينال من سمعة المملكة في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي؛ لأن إقدام المدانين على إساءة استخدام صلاحياتهم الرسمية ومخالفة النظام والتعليمات، تخرجهم من دائرة تمثيل الدولة، ويقتصر التمثيل في الجريمة التي ارتكبوها عليهم أنفسهم، ولا صلة للدولة السعودية بما اقترفوه، كما لا صلة للدولة الأمريكية بالخطأ الوظيفي المنسوب إلى "ترامب".