يرى مواطنون أنه حان الوقت لفتح ملف مستشفى العارضة الجديد "الحلم" المتعثر منذ 10 سنوات، وذلك من قِبل لجنة مكافحة الفساد العليا، التي وجَّه بتشكيلها خادم الحرمين الشريفين برئاسة ولي العهد، وعضوية كل من رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ونزاهة ورئيس ديوان المراقبة العامة والنائب العام ورئيس أمن الدولة.
وكان المشروع المليوني الذي خُصصت له ميزانية تتجاوز 33 مليون ريال قد شهد تلاعبًا منذ البدء في تنفيذه عام 1429؛ ما دفع "نزاهة" لفتح تحقيق؛ إذ أشارت إلى أنه تم رصد العديد من المخالفات بعد الوقوف عليه، من أبرزها عدم اتخاذ أي إجراء لسحب المشروع من المقاول بعد توجيه إنذارات عدة له، وهو ما يؤكد مخالفة الصحة للمادة الـ(53) فقرة (ب) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية.
وبيَّنت "نزاهة" في تقريرها الذي لم تعره الصحة أي اهتمام، وظل المشروع يتربع على قائمة المشاريع المتعثرة في المنطقة، أن المدة المـنقـضـية منـذ تاريـخ انـتهاء مــدة الـعـقـد تجاوزت سنـتين وسـتة أشـهر؛ ما يدل على عـدم جـديـة المــقاول لإنـهـائه.
وطلبت الهيئة وقتها من وزارة الصحة التحقيق فيما رُصد من مخالفات وملاحظات وأسباب إهمال المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة جازان متابِعة المشروع، وعدم رفعها للجنة فحص العروض طلب النظر في سحبه، وأسباب عدم استعمال الوزارة حقها النظامي في سحب العمل من المقاول حين ثبوت تقاعسه؛ ما أدى إلى عدم الاستفادة من المشروع في الغرض المنشأ من أجله، وهو ما يعد تجاوزًا للنظام.
وفي أكتوبر من العام 2015 خرجت "صحة جازان" متغنية بصور، تم التقاطها من موقع المشروع مع أحد المقاولين؛ إذ أكدت وقتها توقيع عقد استكمال بناء المستشفى على أن يتم التسليم في غضون 15 شهرًا، إلا أنها فشلت مجددًا؛ ليبقى المشروع مأوى للحيوانات الضالة، وملجأ للمخالفين في ظل تردي الخدمات الصحية في المحافظة التي يقطنها قرابة 90 ألف نسمة.
وتوالت الأحداث المثيرة؛ فالمحافظة التي ضربتها حمى الوادي المتصدع قبل أعوام تعجز وزارة الصحة حتى عن استكمال جزء من مبنى المستشفى القديم بها لزيادة طاقته الاستيعابية؛ لتخرج إحدى الجمعيات الخيرية وتفجِّر مفاجأة من العيار الثقيل، وذلك عندما أعلنت تبرعها بمبلغ 200 ألف ريال لإكمال تشطيباته؛ إذ شكَّل الإعلان صدمة كبيرة لسكان المحافظة ممن كانوا ينتظرون انتشال مستشفاهم من التعثر ؛ إذ لم تعد الميزانيات المليارية التي تُخصص سنويًّا لوزارة الصحة قادرة حتى على إكمال جزء بسيط من المبنى القديم!
وجاء تبرع الجمعية الخيرية في الوقت الذي كشفت فيه مصادر عن تقاضي مسؤول في "صحة جازان" - وذلك بالتلاعب على الأنظمة - مبالغ كبيرة عبارة عن رواتب، تصل إلى ربع مليون ريال، في مفارقات لا يقبلها منطق عجز عن إكمال الخدمات، وصرف مخصصات بطرق ملتوية؛ ما جعل الجهات المعنية تفتح تحقيقًا موسعًا في الحادثة.
وقال عدد من السكان إن ما يحدث لا يجب السكوت عنه، ويجب على الجهات المعنية ببحث ملفات الفساد فتح تحقيق مع المتسببين في تعثر المشروع، الذي كان يجب أن يُنجز قبل سنوات لخدمة قطاع مهم، وهو القطاع الجبلي شرق منطقة جازان.
وبينوا أن ما حدث للمستشفى الجديد لا يُعد كونه فسادًا بشهادة "نزاهة" التي فتحت تحقيقًا، ورصدت مخالفات وتجاوزات لصحة جازان في وقت سابق إبان وقوفها على المشروع.
يُشار إلى أنه مرت على المشروع 9 ميزانيات مليارية، حظيت بها وزارة الصحة وثمانية وزراء، قادوا دفة الوزارة منذ عام 1429 إلى عام 1439، إلا أن جميع تلك الأرقام فشلت في انتشال المشروع من التعثر؛ ليبقى شاهدًا على أحد أهم ملفات "الفساد" التي تنتظر التدخل!!
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد وجَّه بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد، برئاسة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان. وقررت اللجنة إعادة فتح ملف سيول جدة، والتحقيق في قضية وباء "كورونا". ومنح القرار الملكي اللجنة صلاحيات حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة بقضايا الفساد العام، وإجراء التحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر.
وكذلك كشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبُّع الأموال والأصول، ومنع نقلها أو تحويلها من قِبل الأشخاص والكيانات أيًّا كانت صفتها.. وللجنة الحق أيضًا في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها، حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال.
ويحق للجنة اتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام، واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج، وإعادة الأموال للخزانة العامة للدولة، وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة، ولها تقرير ما تراه محققًا للمصلحة العامة، وخصوصًا مع الذين أبدوا تجاوبهم معها.