حَظِيَ مشروع نظام مكافحة جريمة التحرش، الذي تم إقراره اليوم، بالكثير من الاهتمام من قِبَل المواطنين والمواطنات، الذين أجمعوا على أن المشروع الجديد خطوةٌ جادة نحو حماية أفراد المجتمع، وخاصة المرأة والطفل، وصون لكرامة الجميع، والمحافظة على الخصوصية من المتحرشين، عبر إصدار العقوبات الصارمة بحقهم.
ولطالما نادت أصوات داخل المجتمع السعودي بسَنّ تشريع أو قانون يجرّم التحرش ويَحُد منه، ورأى أصحاب هذه الأصوات أن هناك فرقاً بين الحاجة إلى قانون يجرّم التحرش المجرّم شرعاً، وبين الحاجة لنظام يحدد صور التحرش التي تتطلب سن عقوبات مُقَدرة رادعة في الزمن الحالي؛ بحيث يحدد النظام عقوباتها بحد أعلى وأدنى، ويحيل تقدير العقوبة في باقي صور التحرش لتقدير القاضي، وشددوا على أن التجريم والعقوبة كفيلان بالتصدي للسلوكيات الشاذة.
ووافق مجلس الشورى، خلال جلسته أمس، على مشروع نظام مكافحة جريمة التحرش، الذي أعدته وزارة الداخلية؛ بناء على الأمر السامي.
ويهدف المشروع المؤلف من 8 مواد، إلى مكافحة جريمة التحرش، وتطبيق العقوبة على مرتكبيها، وحماية المجني عليه؛ وذلك صيانة لخصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية، التي كفلتها أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة.
وبرغم أن حالات التحرش في المجتمع السعودي محدودة، ولا ترقى إلى حد الظاهرة "المقلقة"؛ فإن الأغلبية رأوا في إصدار النظام الجديد، دليلاً جديداً يشير إلى حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -يحفظهما الله- على تعزيز حماية أفراد المجتمع السعودي بأطفاله ونسائه ورجاله وفتياته وشبانه، من ضعاف النفوس، الذين قد تُسَوّل له أنفسهم ويتحرشون بهم بشكل مباشر أو غير مباشر؛ مشيرين إلى أن تحديد ثمانية مواد متفاوتة، لم يترك أمراً في عمليات التحرش إلا وشَمِلها بالعقوبة الرادعة؛ سواء المتحرش نفسه، أو من ساعد أو سهل أو أوعز بعملية التحرش.
ويؤكد المحللون أن تطبيق نظام التحرش في المملكة، جاء في الوقت المناسب؛ خاصة مع التغييرات الاجتماعية الكبيرة التي شهدها المجتمع السعودي في الشهور الماضية؛ مثل افتتاح دور السينما، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وإطلاق برامج الترفيه، والتي قد تشجع بعض ضعاف النفوس على التحرش بأفراد المجتمع؛ وخاصة المرأة؛ وهو ما يتطلب تعزيز حماية أفراد المجتمع بقوة النظام، والعقوبات الرادعة.
وإذا كانت قضايا القتل وانتهاك العرض والاغتصاب من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف؛ فإن جرائم التحرش من الجرائم التي قد يتفاوت فيها حجم الجرم من جان إلى آخر؛ وبالتالي فهي تخضع لتقدير القاضي الذي عليه أن يدرك ويتأكد من حجم الجرم، وبالتالي يصدر العقوبة المناسبة له؛ لذا غالبا ما يخضع المتحرش للعقوبات التعزيرية التي يقدرها القاضي، ومنها السجن والجلد على حسب نوع الجريمة وضررها، كما يطبق نظام الحماية من الإيذاء على حالات التحرش التي تحدث داخل نطاق الأسرة إذا كانت من الأقارب أو خارج نطاقها.
وتختلف الأحكام الشرعية الصادرة في قضايا التحرش بين قضية وأخرى لاختلاف الأدلة والقرائن في كل قضية، مع مراعاة المعايير الشرعية في تقدير التعزيرات، التي يراعى فيها حال الجاني والمجني عليه ومكانه والظروف المقترنة بكل جريمة على حدة.
ويتم التحقيق في الجريمة والمطالبة القضائية وفق نظام هيئة التحقيق والادعاء العام ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات الشرعية، ولذوي المجني عليه إقامة الدعوى في الحقين العام والخاص، وإن كان الحق العام يطبق بمجرد ارتكاب الجريمة. وعلى المحكمة أن تنظر الدعوى، وتصدر فيها حكماً شرعياً بالإدانة، ومعاقبة الجاني بالعقوبات الحدية والتعزيرية المشددة فوراً.