تصوير: عبدالله النحيط: بين القلاع الأثرية والنقوش التاريخية تصطف أشجار البُن في محافظة الداير شرق جازان على المدرجات الجبلية بشكل هندسي بديع، مقدمة نفسها كأهم الموارد الاقتصادية لـ100 ألف نسمة يتنفسون "الكيف" والهواء العليل في 420 قرية متناثرة كلوحة فنية ساحرة.
ويتميز إنسان "الداير" بالكرم والبساطة والعفوية، ولسان يلهج بـ"ارحبوا".. ويهتم السكان كثيرًا بتقديم صورة جميلة عن منطقتهم أمام الزائرين، متفاخرين بالصفات الجغرافية التي يضمها الجبل والوادي، والمنتجات الزراعية طوال العام من الفواكه والخضراوات والحمضيات والقهوة والكاكاو والورد والعسل.. على الرغم من قلة المياه السطحية والجوفية.
وعلى مَرّ العقود الماضية نشأت علاقة عجيبة بين الفلاح والبُن، وأصبحت تلك الأغصان الفاتنة وعبق القهوة جزءًا من تفاصيل حياته اليومية، وتحولت العلاقة إلى "مصلحة" اقتصادية، أثمرت في العام الماضي إنتاج أكثر من 230 ألف طن؛ ليسهم الفلاح في الوصول إلى كل منازل شعوب الخليج العربي المتعطشين لرشفة الفنجان "الخولاني".
وفي طرف جبل "حراز" تقع مزرعة أحمد جبران فرحان المالكي، وتتمايل أشجار البُن على نوافذ منزله، كما تتسابق تربتها في إنتاج ما لذَّ وطاب من خيرات الأرض، ويتوارث استصلاحها الأبناء والأحفاد في معاهدة "الكيف" التي رحل عنها السابقون "الأبرار"، واستمر في رعايتها اللاحقون "كابرًا عن كابر".
ويتوقع المستهلك أن يصل محصول البُن للأسواق بسهولة غير أن الواقع عكس ذلك تمامًا؛ فالشجرة تحتاج إلى عناية واهتمام طيلة العام حتى مرحلة النضج، ثم يبدأ الفلاح في قطفها ثمرة ثمرة، ويوضع البُن الناعم بلونه الأحمر في آلة خشبية تحت أشعة الشمس لتجفيفه حتى يتحول للون الأسود الخشن، ويبدأ في بَشْره؛ لتتحول الثمرة للون الأخضر المعروفة به، ويتم تخزينه في أكياس خاصة به، ويستفاد من القشر في جمعه أيضًا وبيعه؛ إذ يعتبره الأطباء الأنسب لمن يعانون آلام القولون.
ويستهدف مزارعو القهوة في محافظات منطقة جازان مهرجان البُن الذي يقام سنويًّا في محافظة الداير لعرض المحصول أمام الزوار من السعودية ودول الخليج، كما يحظى باهتمام رسمي وشعبي. ويصاحب المهرجان الذي تفوح من جنباته رائحة القهوة الزكية المنعشة فعاليات متنوعة، وألوان شعبية طربية.